رئيس التحرير
عصام كامل

موقعة الكوندوم


في حياتنا السياسية المعاصرة واقعتان من فئة اللون الأسود الفاحم، لا يشعر المرء إزاءهما بأي زهو أو فخر، ما لم يكن له ضلع مؤيد في واحدة منهما أو في كلتيهما!
واقعة الجمل

وواقعة الكوندوم
الأولى إخوانية بامتياز، ومنسوبة وقتها بضراوة للنظام الأسبق، رغم أن رئيسه حظي بدموع المصريين، لولا انفجار التحرير بالجمل والجياد والدهس والرفس، مما أطاح بالأمل الأخير للرئيس الأسبق حسني مبارك في الاستمرار، وبعدها بدأ العد التنازلي له في حكم مصر.

تلك واقعة على دمويتها وفبركتها، وضبابية الجناة فيها، لم تبلغ ما بلغته واقعة نفخ عوازل ذكرية واقية قدمها شابان إلى أفراد الشرطة في عيد الشرطة، من سخط شعبي عارم، أدان تصرف الممثل أحمد مالك، والمراسل لبرنامج "فاهيتا"، المدعو شادي حسين. بطبيعة الحال شاهد ما يزيد على مليون ونصف المليون مصري أو عربي أو معا، المقطع الذي رفعه الشابان، وسوف نلاحظ ما يلي، بعد التروي والتدقيق:

أن الولدين تعمدا الفعل الجنائي باللجوء إلى التصوير والإعداد وأبدعا في الفكرة ذاتها، وأن روح الاستهتار والتهتك، كانت مستبدة بهما مما يوحي بإعجابهما بالفكرة وشذوذها وتفردها في المكايدة وتحقيق الإهانة للشرطة في يوم جمع بين احتفالات ثورة مهجورة يخاف الناس من توابعها، وفيهم كره لها، وبين عيد للشرطة، تعافت، واستأنفت استدعاء ماضيها في مقاومة الاحتلال البريطاني، وسقط لها خمسون شرطيا قاتلوا ببسالة دفاعا عن مقرهم حتى آخر طلقة وجندي.

لم يذهب الشعب المصري إلى الميدان، ولزم البيوت بردا أو خوفا، عزوفا أو دفئا، لكن الشابين نزلا ليمارسا المسرحية العبثية بروح متشفية ساخرة، ولعل هذا هو السبب في إصرار قطاع شعبي كبير في أن ما فعلاه لا يجوز الاعتذار عنه، لأنه استخفاف بجنود يؤدون واجبهم في حماية الشعب وسط أجواء ثلجية، تمضغ العظام. حين تشاهد الفيديو المستهزئ، سترى ما يغيظك حقا.

سترى "شادي" يسجد مقبلا أرض الصينية الشهيرة بميدان التحرير، والعلم في يمينه، وهو سجود هزلي أكثر منه جدي، وبعدها ستراه يمد يده بالعازل الذكري الذي نفخه فصار بالونة مستطيلة، كتب عليها من شباب مصر إلى الشرطة في ٢٥ يناير! وعازل ثان وثالث ورابع، والجنود المساكين فرحون شاكرون، ويغرز "شادي" خده في جانب أحدهم كأنه يقبله ممتنا، وهو يردد ساخرا كلمة أهوه بحبك أهوه!

ولما فرغ المستهتران من فعلتهما الدنيئة انقلبا إلى زملاء لهما في سيارة أقلتهما، وقبل الركوب، كان شادي يضغط شفتيه بقوة في خد مالك مرات متقطعة، امتنانا وفرحا، وعلى نحو مقزز.. بالطبع اكتشف الناس والشرطة سفالة الكيد، وانحطاط الهدية ووضاعة النفوس المجرمة، وعدها الشعب إهانة لا تغتفر.

خرجت شريحة تخفف من وقع ما جرى، واعتبرت ما وقع شغل عيال وطيش شباب، وأن على المجتمع ألا يصنع منهما مجرمين عتاة بعد سجنهما.

نظرية "ده شغل عيال" سرعان ما تهاوت، بعد استشهاد جنود على خط النار، واستدعى الناس قصص بطولات شباب في العشرين افتدوا الوطن بأرواحهم، وتلقوا الرصاص في صدورهم، ونسفوا أنفسهم مع الأحزمة الناسفة للإرهابين، لحماية زملائهم، ومع الوقت بدأت خيوط تتجمع لتحكي عن فعل مدبر مخطط له.

الأمر الآن محال للنيابة والتحقيق، ويبقى السؤال: من السبب في أخلاق من هذا النوع المبدع في السفالة والوضاعة؟!

أبو أحمد مالك تبرأ منه، واعتبره عاقا له ولمصر، ومع ذلك فإن الناس أمطروه بالسباب، لأنه لم يحسن تربية ابنه، أما "شادي" فلديه إحساس بالتحدي!

هو من فئة البرادعي وباسم يوسف، متحرر من أي عرف يحمي ويصون الحياء.. الحق أن الجيل "الطافح" الذي فتح في جناين مصر حاليا ليس هو الجيل الصاعد الذي كناه زمان، أيام ناصر والسادات، بل هو جيل لم يربه الوالدان، إنما ربته المنظمات والجماعات على الإنترنت، والمواقع المتطرفة يمينا سياسيا أو دينيا، ويسارا ثوريا فوضويا، أو شبكات الجنس أون لاين.

هو جيل لا يقوى عليه الوالدان لأنهما ببساطة ليسا موجودين، بحكم العمل والولع بالسفر وجمع المال وإشباع الشهوات، هم أبناء النخبة، التي فرطت وأفرطت، أما أبناء القرى والفقر فنادرا ما يبلغ بهم التفنن في الانحطاط هذه الدرجة من العمق المخيف المغيظ!

المجتمع في حالة غيظ واحتقان، وسيظل كذلك، وإذا كانت هناك فائدة واحدة من واقعة نفخ العوازل الذكرية، فهي إطلاق صيحة استهجان جماعية، ترددت أصداؤها في طول مصر وعرضها، ولعل هذه هي البداية لاستعادة الحياء والأدب والذوق والتحضر، والدفء للعلاقات الإنسانية في مصر بعد انحدارها خلال السنوات الخمس الماضية على النحو البشع المستهجن.

عودوا إلى بيوتكم وربوا أولادكم، وافتحوا عليهم غرف النوم وطالعوا مع من يثرثرون في غرف الشات، سياسيا ودينيا وعاطفيا
وإباحيا!
واحسن حل قطع النت ليلا على من يخترق العرف والمحرم.

الجريدة الرسمية