رئيس التحرير
عصام كامل

الجاني الحقيقي في جريمة أحمد مالك!


أحمد مالك وأشباهه من جيل المتحرشين والغش الجماعي والموضات الغريبة، والتي تعكس ضياعا في ضياع، فهم أصلا عَرَض لمرَض مُزمن تعاني منه مصر منذ سنوات طويلة، وإن كنا نريد علاجا حقيقيا له ولمجمل هذه الأمراض كلها والشفاء التام منها فعلينا أولا تشخيص المرض بدقة حتى نتمكن من العلاج!


أحمد مالك وأشباهه، ممن لم يتربوا جيدا وممن يكبرونه في السن قليلا ولدوا وعاشوا في ظل نظام سياسي يحتفي ويحمي ويرقي اللصوص والفشلة والمكروهين شعبيا ويطرد ويستبعد الناجحين والشرفاء، ومن عند هذا النظام ظهرت قاعدة سيئة أطاحت خلفها بقيم عديدة، وهي قاعدة "أن تعمل بذمة وضمير فإنك لن تبقى طويلا في مكانك"، وهؤلاء أبناء هذه المرحلة شاهدوا - وشاهدنا معهم - كيف يستبقي النظام السياسي وقتها يوسف بطرس غالي ويوسف والي وزكريا عزمي ويستبعد أحمد جويلي ونادية مكرم عبيد وأحمد رشدي، فضُربت فكرة القدوة والمثل الأعلى في مقتل!

هؤلاء - هذا الجيل - شاهدوا كيف أن راقصات مصر لهن الكلمة العليا في المجتمع، وكيف يصفعن ضباط الشرطة في قلب الطريق، في حين يعتدي ضباط الشرطة ولأول مرة في تاريخ العالم على باقي السلطات الأخرى.. فلأول مرة يسحل قضاة مصر أمام ناديهم - ولم يكونوا من الإخوان بالمناسبة - ولأول مرة يُعتدى على نواب بالبرلمان على كورنيش النيل وتدهس كرامتهم وحصانتهم تحت الأقدام ولأول مرة يتحرشون بالصحفيات أمام نقابتهم!! فكان ضروريا أن تكون الصدمة عنيفة اختزنوها في عقولهم وتحولت إلى تمرد فوضوي كبير!

هذا الجيل - مالك وأشباهه - عاصروا وزارة تعليم بلا رؤية وبلد يشهد أكثر من خمسة عشر وزيرا للتعليم في عدة سنوات، وشاهدوا كيف أن شباب الحزب الوطني، وأغلبهم من الفشلة والأفاقين، يحصلون على كل شيء، امتيازات ووظائف ورحلات وسفر للخارج، في حين يستبعد الأوائل والمواهب من غير أبناء الوطني من كل مناسبة ومن كل تكريم، بل ومن كل حق يستحقونه بفعل تفوقهم وتميزهم، خصوصا في التعيين الجامعي كمعيدين تولى الأمن فيها الأمر كله.. فكان منطقيا أن يكرهوا السلطة - أي سلطة وكل سلطة - وممثليها!

هذا الجيل شاهد الرشاوى على طرقات الشوارع وفي أكمنة المرور وفي مكاتب الموظفين، وشاهد كيف يسجن الفقير في عشرات الجنيهات ويهرب الغني بمئات الملايين، وشاهد العالِم فقيرا ولاعب الكرة يلعب بالأموال ويفاضل بين الأندية، وشاهد أعلامه يحتفل بذكرى راقصات ويتناسى ذكرى يحيى المشد وسميرة موسى ومصطفى مشرفة والسيد بدير الصغير وجمال حمدان ومحمود شلتوت وحسنين مخلوف.. وهذا الجيل شاهد صعود الإخوان وشاهد من تحول مع الإخوان ومن عاد سيرته الأولى بعد الإخوان، وشاهد كيف تغير السلطة مدعي التدين.. فكان طبيعيا أن يفقدوا الثقه في كل شيء!

هؤلاء.. ومنذ تولي السيسي والحال أعلاه يتغير.. عام للشباب، ومشروع بينهم وبين رئاسة الجمهورية مباشرة، و200 مليار قروض لمشاريعهم، ووزير في السجن ورجال أعمال كبار يسجنون، ومنهم من يمنع من السفر ومنهم من تفتش مصانعه وشركاته في سوابق هي الأولى منذ سنوات طويلة، وضباط شرطة يدخلون السجن بالعشرات منهم عشرون ضابطا في أسبوع واحد في قضايا ذكرناها بأرقامها وأسمائها في مقالات سابقة، وعلى الهواء في الإذاعة والتليفزيون، وكلها تطورات كبيرة تحدث أيضا لأول مرة.. وهنا يبقى إعلان الفشل الذريع للإعلام ولوزارة الشباب والرياضة تحديدا، لأن وزيرها هو الأقدم من بين الوزراء وهو يتولى مهامه قبل وزير الثقاقة!

تغيير كبير حدث ولم يشعر به أحد.. ولا يصح أن يبقى كل الجهد المبذول بعيدا عن التأثير، فهذا يظلم الدولة ويظلم الوطن!

الكلام السابق لا يعني براءة مالك وشريكه، فلم تعفِ الظروف السابقة غيرهم من العقاب في جرائم ارتكبوها، وإنما هي صراحة تحمل الأشعة شبه التفصيلية للمرض الذي يحتاج كتابا كبيرا للتشخيص ووصف العلاج!

اللهم بلغت..اللهم فاشهد..

الجريدة الرسمية