عندما تؤدي المصالحة السياسية إلى فتنة
إذا سألت أي لبناني هل كان يتوقع أن مصالحة بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والزعيم الروحي للتيار الوطني الحر وحليف حزب الله ميشيل عون، لأجابك بالنفي، وإذا سألته أو سألت غيره عن إمكانية تنازل سمير جعجع عن حلم رئاسة لبنان بل وترشيحه لخصمه ميشيل عون لأجابك مستنكرا: مجنون أنت! أما وأن ما كان يراه اللبنانيون مستحيلًا حدث بالفعل، فإن ردود الفعل جاءت لتشير إلى أن المصالحة بين الزعيمين تمت على قاعدة "قول حق يراد به باطل".
فسمير جعجع ضرب ضربته لتشيع الفتنة بين الجميع، فسمير جعجع ومعاونوه يظهرون في التليفزيون لتكرار أنه على حزب الله مساعدة ميشيل عون لحسم معركة الرئاسة، ثم يقولونها بطريقة أخرى بأن فوز ميشيل عون في الرئاسة أصبح في يد حزب الله، في إشارة إلى أن نبيه بري – رئيس حركة أمل – والقطب الشيعي الثاني ليس له لازمة، وأنه "لا يحل ولا يربط"، وعلى سبيل التحالف بين ميشيل عون وحزب الله، جاء ترشيح سمير جعجع لميشيل عون لمنصب الرئيس، ليوضح له أن حزب الله أضعف من أن يضعه على كرسي الرئاسة.
وعلى صعيد معسكر 14، فقد اعتبر التكتل أن سمير جعجع، الذي عبر كل الحدود بما فعله، فترشيحه لميشيل عون أغضب حلفاءه، وعلى رأسهم سعد الحريري، رئيس حزب أو تيار المستقبل، وحزب الكتائب، فظهر رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل ليقول إن الحزب لن يرشح أي شخص من معسكر 8 آذار المؤيد لحزب الله، سواء إن كان المرشح للرئاسة هو سليمان فرنجيّة رئيس تيار المردة أو ميشيل عون.
كما أن سمير جعجع أرسل رسالة لسعد الحريري، مفادها أنه إذا كان الحريري يفكر – فقط - بالتضحية به بترشيح سليمان فرنجيّة لكرسي الرئاسة عبر مبادرة غير معلنة سعى سعد الحريري إلى تركها تتفاعل وإن لم يصرح بها، فإن سمير جعجع ليس خائفا مثل الحريري لإطلاق أقوال، فسمير جعجع أثبت للحريري أنه رجل أفعال وأنه لديه من القوة أن يتخذ القرار وينفذه في يوم واحد، دونما انتظار لرأي الحريري أو غيره.
ولكن بعد أن وقعت الفتنة، ما هي السناريوهات القادمة، وماذا يمكن أن يحدث في معركة الرئاسة في لبنان؟
بداية القول هي أن معركة رئاسة لبنان أصبحت مسألة حياة أو موت سياسي بالنسبة للسعودية، لأن نجاح حزب الله في وضع ميشيل عون على كرسي الرئاسة معناه عمليا انتهاء النفوذ السعودي في لبنان، وأن عليها أن تبحث عن شخصيات أخرى غير بيت "الحريري".
في كواليس السياسية اللبنانية، والمطلعون على بواطن الأمور يعرفون أن هناك تصدعًا في بيت آل الحريري في لبنان، وأن هناك الكثير من الخلافات حول طريقة إدارة سعد الحريري لملف الرئاسة، لذلك فإن تعامل السعودية والحريري إعلاميا مع قنبلة ترشيح سمير جعجع لميشيل عون جاء على طريقة قناة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية التي تقول إنك إذا كنت لا تستطيع أن تفوز بمعركة ما، فعليك أن تمنع خصمك من الفوز، لأن الخروج متعادلا هو فوز لك، لأنك أفسدت عليه إمكانية فوزه.
لم يعد الوضع في لبنان، بعد أن كشف سمير جعجع وجوه الجميع لبعضهم البعض، يحتمل غير سيناريوهين:
السيناريو الأول، وهو الأخطر، يقول إن السياسة لن تصلح لحل معضلة كرسي الرئاسة، وأنه في ظل الغضب المتنامي ضد خطوة سمير جعجع، ستسعى بعض القوى إلى تدبير حادث ما تنقلب فيه الطاولة على حزب الله، من خلال اتهامه بشكل مباشر بتدبير هذا العمل، وبالتالي سيكون الحزب أمام خيارين، إما الوقوع في فتنة مثلما حدث في 8 مايو (آيار) 2008 حين سيطر حزب الله على بيروت في أقل من بضع ساعات، أو أن يتنازل عن مرشحه للرئاسة ويقبل بمرشح من معسكر الفريق الآخر، لا سيما أن ألد أعدائه سمير جعجع قد تنازل ورشح خصمه، أو يقبل بمرشح عير ميشيل عون وإن كان لن يصوت له في البرلمان.
السيناريو الثاني، وهو الأرجح، أن يسعى الجميع، بمن فيهم حزب الله وسعد الحريري، إلى تجميد معركة الرئاسة إلى أن يتم حسم الصراعات الخارجية، ولكسب هدنة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية، وأغلب الظن أن فريق 14 آذار سيسعى لهذا الحل، حتى يتم الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو حسم الصراع في سوريا – أيهما أقرب.
الوضع الهادئ في لبنان ينذر بالانفجار، أو كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، خاصة إن كان هذا الهدوء سبقه إعصار سياسي تم محاولة شفطه وإيقافه، ولكن لا أحد يعرف إلى أين سيتجه.. اللبنانيون متحفزون حاليًا مترقبون من أين سيأتي الانفجار.. إحدى قنوات الإعلام اللبناني تنبأت بأن لبنان لن تشهد حلا سياسيًا مطلقًا، فإحدى البرامج السياسية الفكاهية الشهيرة في لبنان يحمل اسم "قاربت تنحل" أو باللهجة اللبنانية "إربت تنحل.. كلمتك مدى الحياة"، فالحلم بحياة ديمقراطية وبسياسة خالية من الطائفية والزعامات السياسية هو حلم لن يتحقق في لبنان، لأنه حلم مدى الحياة.