يناير.. بين الثائر والمتآمر!
مشهد 1
هناك في يناير 2011 من رفض تراجع مصر عربيًا وعالميًا ورفض غياب مصر عن أفريقيا وتحولها إلى مرتعٍ لكل عملاء الموساد.. وهناك في يناير 2011 من خرج رافضًا فشل الدولة المصرية في القيام بأبسط أدوارها في توفير العلاج والتعليم المناسب لغير القادرين وفشلها الذريع في أبسط مهامها من توزيع الخبز إلى جمع القمامة ومن توزيع الغاز إلى تنظيم المرور!.
مشهد 2
في يناير 2011 هناك من استعد للقفز على اللحظة..تحرك قبلها استعدادًا ليوم الغضب الشعبي الكبير.. سافر إلى هنا وهناك.. صربيا وغيرها.. تدرب وتمول.. واعتبر الانخراط في جماعة هنا أو العمل في منظمة حقوقية هنا السبيل لتوفير الغطاء السياسي وضمان فرصة عمل مناسبة!.
مشهد1
هناك من خرج في يناير غضبا من تجريف أموال البنوك الوطنية أمام عينيه وغضبا من تصفية الصناعة الوطنية أمام أعين الجميع وبيع ممتلكات الشعب في برنامج الخصخصة.. خرج غاضبًا في يناير من رأى تصفية النصر للسيارات وأبو زعبل للكيماويات والمراجل البخارية وطنطا للكتان وأسمنت أسيوط وتدمير قها وأدفينا ومصانع النسيج العملاقة بالمحلة!.
مشهد2
وفي يناير هناك من قبل أن يكون معولا في يد أجنبي يقدم التقارير للمنظمات الدولية ضد بلده ومن قَبِل أن يتعاون مع سفارة وقنصلية ومن وافق على التدريب ليس على الثورة وإنما على إسقاط الدول ذاتها!.
مشهد 1
وهناك في يناير 2011 من خرج لضياع حلمه في دولة وطنية مدنية حديثة بعد أن رأي أن الإخوان شركاء في السلطة.. يزاحمون النظام ولا يختلفون معه.. كلاهما ابن أمريكا المدلل لكن ستأتي اللحظة التي لا يتسع فيها المكان إلا لأحدهما.. كلاهما مع تخلي الدولة عن دورها وكلاهما ضد القطاع العام وكلاهما ضد دور الدولة في النشاط الاقتصادي وكلاهما مع حرية السوق وكلاهما يقودهما كبار رجال الأعمال وملاك الثروات!.
مشهد 2
وهناك في يناير من ارتبطت مصالحه بآمال وطموحات في العمل والدراسة في الخارج ومن داعبوا أحلامه بالحماية الأمريكية ومن أقنعوه بضرورة هدم كل شئ لبنائه على "نظافة" من جديد حتى الجيش يجب هدمه لأنه أداة الرأسماليين في مصر!.
مشهد 1
وهناك من خرج في يناير 2011 لأنه محروم من فرصة عمل مناسبة يحصل عليها غيره بالرشوة والنفوذ وخرج من تفوق دراسيا لكنه ممنوع لأسباب اجتماعية بقوانين بغيضة من الالتحاق بكليات بعينها وخرج من أهينت كرامته في قسم شرطة أو أمام الناس من ضابط متجاوز وخرج من رفض سحل القضاة أمام ناديهم أو العدوان على نواب البرلمان في عرض الطريق على كورنيش النيل ومن رفض التحرش بالصحفيات من بلطجية الحزب الحاكم أمام نقابتهم!.
مشهد 2
وخرج في يناير من أدخل إلى دوائر جهنمية صار فيها أسير الزعيم وبنات الحزب وجرعة المخدرات.. ومن صفقوا له على الباطل فداعبوا أوهام البطولة والشجاعة الزائفة عنده.. وإن كانوا في الأصل جميعا ضحايا نظام لم يستوعب شبابه إلا أنهم بلغوا نقطة اللاعودة!.
في يناير هناك من خرج ثائرا وهم الأغلبية الكاسحة التي عانت مرارة المتابعات الأمنية والتحرش البوليسي ووقف الترقيات والنقل والتهديد والمنع من الوظائف التي يستحقونها لكفاءتهم وهم شرفاء أطهار خرجوا لحلمهم بوطن سعيد لشعب طيب يستحق حياة أفضل وأغلبهم كانوا ينفقون على العمل السياسي من جيوبهم.. كان هناك نظام أفلس يعاني منه الناس ولا يصح الزعم أنه حول الصحراوي إلى زراعي وأنجز مترو الأنفاق فالعبرة بالنتيجة وانعكاسها على الناس وليس على فئة قليلة كما أنها نتاج ثلاثين عاما في السلطة وليس عامين أو ثلاثة كما أن التباهي بالاحتياطي النقدي لا يجوز لأن أغلبه وهمي من عائد بيع القطاع العام وأموال الخليج وليست عائد نشاط اقتصادي حقيقي.
نظام أغلق باب التغيير السلمي بالتزوير المتتالي للانتخابات فلم يكن من حل للخروج السلمي عليه.. وأيضا فهناك من خرج متآمرا مرتبطا فعلا بالخارج وبجهات مشبوهة. أراد استخدام العنف وهدم الدولةـ لم ينكروها هم أصلا ولا يحق لغيرهم إنكارها كما ينكر خالد داوود بغير حق وكأنه لم ير أحدا يعترف بسفره وتدريبه في صربيا وكأنه لم ير أحدًا يتكلم وهو يقف إلى جوار هيلاري كيلنتون وكونداليزا رايس وكأنه لم ير أحدًا يقول إن الجيش العقبة الوحيدة أمامهم لأن المصريين يحبونه ويلتفون حوله!.
لا يضير الثائر الشريف وجود متآمرين بل هو الأولى بفضحهم وكشفهم بعد أن أساءوا إلى نضاله وإلي ثورته..أما الإصرار أن كل من خرج كان ثائرا وشريفا فهو خطأ كبير..لا يستفيد منه ومن غطائه إلا المتآمر المجرم!.