المحلة الثائرة من «الدبابات والقباقيب» إلى «دولة مستقلة»
بمجرد تذكر المحلة الكبري يتباري إلى الذهن التاريخ النضالي لعمال غزل المحلة في مواجهة الظلم والقمع الذي تمارسه الحكومة ضد الشعب، خاصة قبل ثورة 25 يناير، فمرت المدينة بعددا من الاحتجاجات الضخمة التي أثرت في الحركة الاحتجاجية المصرية على مدي عقود طويلة.
وأثبتت مدينة المحلة حضورها الدائم خاصة في وقت الأحداث الضخمة التي تسيطر على الوضع السياسي في مصر، ولا أحد ينكر دور عمال وأهالي مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في إشعال فتيل أول الثورة في مصر.
1947.. الإضراب الأول «الدبابات والقباقيب»
في عام 1947 قام عمال غزل المحلة بأول إضراب لهم للمطالبة بزيادة الراتب واحتجاجًا على المعاملة السيئية للعمال من قبل إدارة الشركة.
فقامت الحكومة آنذاك بمحاصرة الشركة بالدبابات وإخراج العمال من الشركة بالقوة وفض الإضراب، ورغم ذلك كانت النتائج في صالح العمال، إذ تم رفع أجر عمال الإنتاج عدة ملاليم، وتحسين ظروف العمل ومنها إدخال لبس “الأفارولات” لأول مرة إلى الشركة بعد أن ظل عمال الشركة يعملون لفترة طويلة وهم يرتدون الجلاليب والقباقيب، فلقب الحدث بإضراب «الدبابات والقباقيب».
1953.. انتفاضة تضامنية مع عمال كفر الدوار
عقب صدور الحكم على العاملين خميس والبقري بالإعدام في أعقاب أحداث 1953، انتفض عمال غزل المحلة تأييدا لحركة عمال كفر الدوار مدينين الحكم الصادر.
وقاموا بحملة لجمع التبرعات للعمال، كما أرسلوا مندوبين عنهم للتظاهر مع العمال في الإسكندرية وكفر الدوار.
1975.. إضراب الأجور
في فبراير 1975 أضرب ما يقرب من 30 ألف عامل من عمال غزل المحلة احتجاجًا على تدني الأجور، وقامت قوات الأمن بمحاصرة الشركة، فخرج العمال إلى الشارع والتحموا بالجماهير رافعين شعارا “نبيع البدلة ليه … كيلو اللحمة بقي بجنيه”، في إشارة إلى الحالة المتدنية التي وصل إليه العمال مما اضطرهم لبيع “أفرولات” العمل لسد احتياجاتهم المعيشية، وبالفعل انتصرت حركة العمال وارتفعت الأجور.
1986.. إضراب الراحات الأسبوعية
أعلن عمال غزل المحلة الإضراب عن العمل لمدة أسبوع كامل عام 1986 مطالبين بإضافة الراحات الأسبوعية “أيام الجمعة” للمرتب.
والتحم العمال المضربون بالجماهير في الشارع، وتم القبض على الكثير من قيادات الإضراب، ويبدو أن الدور النضالي البطولي لعاملات غزل المحلة له تاريخ أقدم من إضراب ديسمبر 2006، حيث رفضت العاملات في إضراب 1986 استخدامهن ضد زملائهن لكسر الإضراب ورفضن العودة للعمل دون الإفراج عن كل زملائهن المعتقلين، رافعين شعار “الإفراج قبل الإنتاج”.
واضطرت الحكومة وقتها للتفاوض مع قيادات الإضراب في المعتقل، ووقعت عريضة تم بموجبها الاتفاق على إضافة جمعتين من كل شهر إلى المرتب لعام 1986 وإضافة الجمعتين الآخريين عام 1987، وانتصرت حركة العمال.
1988.. إضراب منحة المدارس
قام عمال غزل المحلة (30 ألف عامل) بالتظاهر والإضراب عن العمل والاعتصام بمقر الشركة عام 1988 احتجاجًا على قرار مبارك بإلغاء المنحة التي كانت تعطيها الحكومة للعمال والموظفين مع بداية كل عام دراسي، وطافت مظاهرات العمال مقر الشركة رافعين نعشًا يرمز إلى الحكومة.
2006.. إضراب الأرباح
بعد 18 عامًا من الصمت عاد عمال غزل المحلة للنضال من جديد بإضراب أكثر من 24 ألف عامل مطالبين بصرف الأرباح بواقع شهرين وليس 100 جنيه فقط كما كانت تريد إدارة الشركة، واستمر الإضراب لمدة أربعة أيام استطاع العمال بعدها تحقيق مطلبهم، وعادوا إلى العمل منتصرين.
ومازالت المعارك والنضال مستمرين مادامت الرأسمالية ونظامها الحاكم تستغل العمال وتقهرهم، لن تهدأ ثورة العمال إلا بالإطاحة بالفساد والاستغلال والاستبداد.
2008.. «نواة 6 أبريل»
ومن الممكن أن يتم وصف ما فعله أهالي المحلة الكبرى يوم 6 أبريل 2008 بالثورة الصغيرة حينما أسقط أهلها لافتة عريضة تحمل صورة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وداسوها بالأقدام؛ اعتراضا عليه وعلى نظامه، فما كان من السلطة إلا أن تعقبتهم ونكلت بهم وعذبتهم وحاصرتهم وتنكرت لشهدائهم.
وكان إضراب 6 أبريل عام 2008 ضد الغلاء والفساد والذي جاء تضامنا مع إضراب عمال شركة المحلة في ذلك اليوم هو القشة التي قصمت ظهر البعير حيث تحول الإضراب من دعوة إضراب عمالى لعمال شركة المحلة إلى إضراب عام في مصر بعد تبني بعض المدونين وبعض النشطاء آنذاك الفكرة عرفوا فيما بعد بحركة شباب 6 أبريل وحركة كفاية وبعض الأحزاب المعارضة في مصر.
وتحول الإضراب في مدينة المحلة الكبرى إلى أحداث شغب كبيرة عرفت إعلاميا بأحداث 6 أبريل، أو أحداث المحلة، شملت هجوم على أقسام ومراكز الشرطة وتدمير جزء من المدينة وإحراق مبانى وعمليات سلب ونهب بشكل عشوائى.
وكانت مطالب الإضراب زيادة المرتبات وتحسين خدمات المواصلات العامة والمستشفيات وتوفير الدواء ومحاربة رفع الأسعار والمحسوبية ومحاربة الفساد والرشاوي.
وجاء في الدعوة التي كتبت باللهجة المصرية العامية ومن بينها بعض العبارات البسيطة لسهولة فهمها من قبل غالبية الشعب المصري التي تمثل نسبة الأمية بين أبنائه ما يقرب من 40% (خليك قاعد في البيت) أو(شاركنا في الميادين العامة) و(أوعى تنزل لكن شاركنا) و(ماتروحشي الشغل) و(ماتروحشي الجامعة) و(ماتروحشي المدرسة) و(ما تفتحشي المحل).
2011.. الشرارة الأولى لثورة 25 يناير
وكان لعمال المحلة الكبرى نصيب الأسد من إشعال فتيل ثورة 25 يناير، حيث كانت لإضراباتهم ووقفاتهم الاحتجاجية ومطالباتهم بحقوقهم أكبر الأثر في زحزحة الحجر الصوان الذي كان يمكث على صدور المصريين منذ عشرات السنين.
وجاءت المطالب معبرة عن قضايا المجتمع كله وليست متمثلة في قضايا العمال فقط، رافعين لافتات وشعارات مناوئة للأوضاع على جميع المستويات ومن بينها (عايزين مرتبات تعيشنا) و(عايزين نشتغل) و(عايزين حرية وكرامة ).
وحذرت الحكومة من التجمهر والتظاهر في ذلك اليوم ومن غياب الموظفين الحكوميين والعاملين بالدولة من الغياب في هذا اليوم، مع قرارات بالعقاب مع كل من يغيب بدون عذر مسبق مقبول.
ونشرت وزارة الداخلية عدة بيانات تحذر من المشاركة في الإضراب والاعتصام وعدم الذهاب إلى العمل، وقالت أنها لن تتهاون مع مثيرى الشغب، وتم نزول عربات الأمن المركزى بشكل مكثف في كل المحافظات والمدن، بالأخص مدينة المحلة، وربما في تلك الآونة قد نجحت الشرطة في إخماد مؤقت لنيران الثورة، إلى أن جاءت لحظة "الفوران" يوم 25 يناير 2011 الذي شهد أكبر صحوة في تاريخ مصر الحديث عندما وقف جموع المصريين وقفة رجل واحد رافعين شعار واحد فقط وهو (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية).
2012.. الإنفصال الجمهوري عن دولة الإخوان
وفي عز ما بات صريحًا أمام العالم من سيطرة الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان، على مقاليد الحكم في مصر؛ جاء السابع من ديسمبر لعام 2012، فأعلن أهالي المحلة عن الانفصال التام عن نظام الإخوان وإعلان المحلة جمهورية مستقلة عن النظام في رد فعل غير متوقع، بعد اعتداء المؤيدين للإخوان على المعتصمين أمام قصر الاتحادية ليطرح العديد من علامات الاستفهام حول قيادة هؤلاء العمال لموجة الاحتجاجات المقبلة ضد النظام الحاكم.