كنتم فى قلب ثورة 25 يناير
حين يتكلم رئيس الدولة إلى الشعب أو إلى إحدى المؤسسات يجب أن تكون كلماته محسوبة ودقيقة وفى موضعها الصحيح.. رئيس الدولة يجب أن يزن كلماته؛ لما لها من نتائج وآثار وتداعيات، ربما على مستوى الدولة كلها.. هو لا يهزل فى موضع الجد، ولا يقول كلامًا متناقضًا، أو غير مفهوم، أو يحمل أكثر من معنى، أو يكون مخالفًا للحقائق أو المنطق أو البدهيات.. رئيس الدولة ليس شخصًا عاديًّا بحيث يمكن تجاهله، أو لا يلتفت لكلماته..
فإذا ما كان هذا الرئيس هو رئيس دولة كبيرة فى حجم ووزن مصر، كان لا بد من التعامل والتفاعل مع كلماته بقدر كبير من الجدية والاهتمام.. فى الظروف الصعبة وفى الملمات تنتظر الشعوب كلمات رؤسائها؛ لتوضح وتبين لها معالم الطريق.. لتشرح لها ما هو مطلوب منها، وما عليها أن تفعله، وهكذا.
بعد أن تولى الدكتور مرسى منصبه لم يكن يترك مناسبة إلا وتحدث فيها، بغض النظر إذا كانت أحاديثه مطلوبة أو لا.. وللإنصاف بعض الأحاديث كانت تقربه من الناس، لبساطتها وقربها من المواطن العادى، لكن بعضها الآخر - وما أكثره - لم يكن موفقًا على أى نحو، بحيث كان الإنسان يتحسب كثيرًا إذا ما أعلن عن خطبة أو حوار له، خاصة إذا كان على الهواء مباشرة.. ويبدو - والله أعلم - أن هناك من نصح الدكتور مرسى بالتقليل فى أحاديثه، حتى لا يلقى ذلك بآثار سلبية على شعبيته، ووصل الأمر إلى أن امتنع الرجل عن الحديث إلى الشعب فى أوقات حرجة وصعبة.
يوم الجمعة الماضية (١٥ مارس) وقف الدكتور مرسى خطيبًا أمام ضباط وجنود الأمن المركزى بالدراسة وقال: "لقد كنتم فى قلب ثورة ٢٥ يناير".. أو كما سمعنا: "أنتم قلب العبور إلى ثورة يناير".. ولأن هذا الكلام يجافى الحقيقة والواقع تماما، فقد أثار دهشة وذهول، بل تندر كل من سمعه.. وقد قرأنا تعليقات على شبكات التواصل الاجتماعى وسمعنا فى الفضائيات ما أثار كوامن الأشجان..
لقد كانت الشرطة فعلًا فى قلب الثورة، لكن ليس بالمعنى الذى قصده الرجل.. كانوا فى قلب الثورة، لا ليحموها أو يساهموا فيها لإسقاط نظام مستبد فاسد، ولكن ليقتلوا ويصيبوا ويسحلوا.. نسى الرجل أو تناسى أن الشرطة كانت تمثل الذراع القمعية والباطشة للنظام السابق.. ونسى أيضًا - أو تناسى - ما فعلته الشرطة بالمتظاهرين فى تلك الأيام العصيبة، وأنها لا زالت تقوم بنفس الدور..
يقول الرجل: "من حكمة الله علينا أن جعل ثورة ٢٥ يناير هى نفس يوم عيد الشرطة، دليلا على دورهم الكبير فى الثورة.."(!!) لا أعتقد أن الرجل تاه عنه أن الثورة ما قامت إلا بسبب ممارسات الشرطة التى ذاق الشعب المصرى على يديها ألوانًا شتى من القمع والبطش والتنكيل وانتهاكات حقوق الإنسان على مدى عقود طويلة.
وإذا كان الدكتور مرسى أراد أن يجامل الشرطة فهذا شأنه.. لكن ليس على حساب الحقيقة والتاريخ الذى يعلمه الجميع.. يبدو أنه أخطأ أو خانه التعبير.. لم يستطع أن يميز بين جرائم ارتكبتها الشرطة أثناء الثورة وما بعدها، وبين محاولاته الدءوب رفع معنوياتها، خاصة فى هذه اللحظة التى تعانى فيها من اضطراب، فضلا عما تتعرض له البلاد من حالة انفلات أمنى.. كان عليه أن يقرأ من ورقة مكتوبة، وأن تعرض هذه الورقة أو حتى تناقش مع بعض مستشاريه.. وليس فى ذلك ما يعيب، فالرؤساء فى الدول المحترمة يفعلون ذلك.