رئيس التحرير
عصام كامل

يا ثورة ما تمت.. خدها الغراب وطار


التاريخ: ٢٣ يناير ٢٠١١ م
المكان: أكاديمية الشرطة بالعباسية
المناسبة: تقديم الاحتفال بأعياد الشرطة يومين؛ لانشغال البلاد بعد يومين بدعوات شبابية على فيس بوك، تدعو لتكرار ذات المشاهد التي عاشتها تونس.

الحضور: قادة من الشرطة والجيش والإعلام وعدد كبير من السياسيين وقادة الأحزاب.. مبارك يدخل القاعة وسط حفاوة من مستقبليه وتصفيق حاد.. يعتلى الرئيس المنصة ويبدأ في إلقاء كلمته.

يحذر الرئيس دول الغرب من دعمهم للفوضى والإرهاب، ويوجه رسالة قوية ضد بريطانيا التي تحتضن رموز الإرهاب تحت شعار حقوق الإنسان، ينتهى الرئيس من كلمته، يصطف الحضور أملا في نيل شرف السلام على الرئيس، ينتقل الجميع إلى قاعة كبيرة للطعام، لم يكن الإفطار بنفس سخونة الأحاديث الجانبية، ماذا سيحدث بعد غد؟.. كانت الإجابة التي تلقيتها من أحد كبار رجال الأمن: لن يحدث شىء.. سنحتفل بعيد الشرطة شعبيا!

لم تكن الإجابة شافية، رياح التغيير كانت تطرح ملامحها بشكل واضح، في غفلة من الحضور يقف الرئيس متجها خارج القاعة، ومن خلفه وحوله شباب الحراسات الخاصة.. ينطلق الرئيس إلى سيارته، يخرج بعدها جمال متسائلا: أين الرئيس؟ يلمح سيارته وقد غادرت الموقع بسرعة، يهرول جمال وسط حراسه، ويقفز داخل سيارته، ينطلق الموكب تاركا الحضور وسط نفس التساؤل: ماذا سيحدث بعد غد؟

في صباح اليوم التالى، كانت عناوين الصحف - حكومية ومعارضة ومستقلة- قد ركزت على كلمة مبارك، وبعدها بيوم يبدأ السيل البشرى في التدفق، نبتة من بضع مئات تتحول إلى ملايين، ملايين من البسطاء.. فلاحين وعمال وعاطلين، طلاب وطالبات، فقراء وأغنياء، ازدانت شوارع مصر بالأعلام، وعلت الهتافات، تضخم الحشد البشرى بمرور الوقت، كرة الناس تنمو في كل البقاع، يسقط النظام لنبنى نظاما يليق بوطن صنع فجر البشرية.

التاريخ: ٢٥ يناير ٢٠١٢ م
المكان: وطن بحجم الإنسانية
الحدث: أحداث دامية في كل ركن من أركانه، شبح "الفلول" يسيطر على الأجواء، الناس تحمى بيوتها بالشوم، السرقات في كل مكان، السطو المسلح جهارا نهارا.. المشير طنطاوى يحكم البلاد، وبين سطوة الفارين ونشوة العائدين عشنا أياما من قهر الغيبة الحقيقية للدولة، حرائق في كل مكان، سرقات.. نهب.. خطف.. الأكمنة الأهلية تحاول إعادة الأمور إلى نصابها.

الشعب يحتفل على استحياء، ووسط موجة من التخويف تمضى الأيام صعبة، لم يتحقق فيها واحد من الشعارات الثلاثة.. فلا العيش جاء، ولا الحرية نبتت، ولا الكرامة الإنسانية ظهرت إلى الوجود، لا ضرر إذن، فنحن نستعد لانتخابات، ونستعد لحياكة دستور، وهكذا هي الأحوال عقب الثورات.. بعض الوقت سيمضي لنستعيد روح الثورة، ونصنع مجدا يليق بما فقدنا من شهداء، لاحرية دون دماء، ولا تقدم دون تضحيات.

في هذه الأجواء الملوثة بالخوف، والرهبة، والقلق، مضت احتفالات المصريين بطعم التراجع، وعدم اليقين بالثورة، فقدنا جزءا من إيماننا بأننا خرجنا في يناير لنعيد للوطن أمجاده؛ لنصنع ثورة شعبية تحاكى كل ثورات الأحرار في كل الأصقاع، الجيش يعيد السيطرة على الأمور إلا من بعض أحداث كانت وكأنها الرعب الضروري للإبقاء على حالة الكفر بما حدث في يناير.

التاريخ: ٢٥ يناير ٢٠١٣ م
المكان كل ميادين مصر، وقد اشتعلت نيران المظاهرات ضد حكم المرشد وجبروت جماعة الإخوان، المتظاهرون يحاولون تفكيك الجدران الأسمنتية المحيطة بميدان التحرير، آخرون يحاصرون محافظة دمياط، وفريق ثالث يقتحم محافظة الإسماعيلية، ومحتجون يدخلون إلى مبني محافظة كفر الشيخ، الجماهير تثور في الشوارع، والريس محمد مرسي يدعو للهدوء.

البرادعي يصدر بيانا يطالب فيه المواطنين بالنزول إلى الميادين لإسقاط دستور الظلام، وإزالة حكم الجماعة، الجماعة الإسلامية تعلن أن سلاح الاستشهاد هو الرد الطبيعي على الناصريين، والعلمانيين، والشيوعيين إذا ما سقط الرئيس، قوات الشرطة تواجه المتظاهرين، وبيان الوزارة يؤكد أن القوات تواجه الخروج على الشرعية بأقصى درجات ضبط النفس، السجال بين الأمن والمحتجين يصل إلى مناطق الإصابة والكر والفر.

الناس في البيوت محاصرون بالقلق، والخوف، والرهبة.. تتنازعهم هواجس الرعب من الغد، يسقط بعض إيمانهم بما كانوا يحلمون به أيام يناير الأولى، عندما كانت الشعارات الثلاثة تعنى نهاية مرحلة، وبدء حياة جديدة.. كان الرجل الذي يقف خلف الستار محركا كل عرائس المسرح لايزال مجهولا، اختزله الإخوان في مصطلح الدولة العميقة، ولخصه الثوار في لفظة "الفلول"، بينما كان فريق ثالث لايزال يدق على وتر المؤامرة القادمة من عواصم أوربية، وربما تقودها واشنطن نفسها.

تمضي الاحتفالات بطعم الدم والخوف والرعب، لننتقل إلى فاصل آخر أشد وطأة دون أن يأتى إلى الفقراء والمساكين الغلابة عيش، ودون أن تصلهم قاطرة الحرية، أو تأتيهم الكرامة الإنسانية رغم أنهم دفعوا الثمن غاليا.

التاريخ: ٢٥ يناير ٢٠١٤ م
المكان: خريطة مصر كلها
الحدث: سقط حكم مرسي، وظهر على السطح حكم منصور، وفى الخلفية يبدو السيسي واحدا من أهم أبطال المرحلة.. ٢١ محافظة تغلى، ٩٥ اشتباكا عنيفا، ٢٧٧ مصابا في الأحداث، ١٠٣ شهداء هم جملة ما دفعته البلاد يوم الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة كانت تنوى إقامة العدل في المنطقة، وبناء نموذج للحرية يغير خارطة عالمنا العربى.

الإخوان في كل مكان يمارسون العنف، يفخخون البلاد، ومعهم من تيارات العنف الكثير، بوادر اختزالات جديدة تطفو فوق السطح؛ فالبلاد تعانى تدخلا تركيا وقطريا، الأمريكان يريدون إعادة الإخوان، أوربا تعطي ظهرها لمصر، الخليج يمد يد العون للبلاد في محنتها، ولايزال ذات الرجل الواقف خلف الستائر يحرك عرائس المسرح دون أن نراه أو نتوقع ملامحه، كل المشاهد متشابهة، شعب يفقد الأمل في ثورته، وعودة لذيول الماضى، وصور الفاسدين تختلط بصور وجوه المتاجرين بالدين، والناس تردد: «ولا يوم من أيامك يا مبارك»!!

التاريخ: ٢٥ يناير ٢٠١٥ م
كان حجم ما نشرته وسائل الإعلام حول المؤامرة التي تحاك لمصر في الذكرى الرابعة يعني أن مصر ستأكلها نيران المؤامرة، اشتباكات بين عناصر إخوانية وقوات الأمن بمناطق متفرقة، المطرية تناوش رجال الأمن، بعض سكان الطالبية يقطعون الطريق، ترام الإسكندرية يشتعل، محطة مترو عين شمس تحت سيطرة الإرهابيين، قنابل الصوت تنطلق في العاشر من رمضان.

التصورات المنشورة والمعروضة في وسائل الإعلام تشير إلى مؤامرات داخلية وأخرى خارجية، الأتراك يدعمون الجماعة الإرهابية، قناة الجزيرة لا تزال تبث سمومها وتزور الوقائع، حكام قطر يدفعون الدولارات لهدم مصر، الجماهير تتابع عن كثب معركة الوطن ضد قوى الشر، غير أنهم يفقدون الإيمان بما كانوا يتصورونه حلما، ولا يزال الرجل الواقف خلف الستائر يدير العرائس بمهارة.. فالناس نسيت تماما ما كان من شعارات.. خاصة مع صور المقتولين بأقسام الشرطة والمهدرة كراماتهم تحت نعال بعض ضعاف النفوس من ضباط لم يتعلموا الدرس الذي كان.

«لقد كان مبارك رجلا طيبا وها هو يحصل على البراءات شهريا.. رجل عفيف، نظيف اليد، صاحب تاريخ عريق».. كانت هذه العبارة هي أهم ثمار الفصل الرابع من احتفالات ثورة تحولت بفعل فاعل إلى مؤامرة، ونكبة، وكارثة، وعار، لم يعد في البلاد ثوار، خجل الاعتراف بالمشاركة في الثورة تلاشى أمام دعوات الفخر بعدم المشاركة.. شيطنوا يناير حتى أصبح واحدة من صفحات الخيانة.

التاريخ: ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١٦ بساعات
لاتزال طواحين الإعلام تطبخ نفس الطبخة، وتعجن ذات العجين، المؤامرة قادمة لا ريب، الإخوان سيشعلون الوطن نارا، كل المتربصين بالبلاد لايزالون على خط النار، والوطن في مرماهم، لاتزال المعركة مستمرة بين فلول ودولة عميقة، ومؤامرة تركية، وعبث قطرى، وتجار بالداخل وجماعات اختارت أن تبنى مجدا على جثة وطن، ولايزال الرجل نفسه واقفا خلف الستار يحركنا كلما أراد.. وفى الاتجاه الذي يحب!
الجريدة الرسمية