رئيس التحرير
عصام كامل

لبنان.. من فحيح الطائفية إلى لهيب الفتنة!


كما هو مخطط لـ"لبنان" التى كانت حتى يومين فقط تعج بخطابات طائفية، تنطلق من صيدا، وتحديدًا من مسجد صحابى جليل هو مسجد "بلال بن رباح"، حيث راح شيخ المسجد يحشد مناصريه على مدار شهور بحثًا عن "موقعة" يمكن أن يُشعِل من خلالها فتنة بين السنة والشيعة، ومن الشمال فى طرابلس حيث التمركز السنى يخرج شيخ آخر يهدد ويتوعد ويتحدث باسم السنة فى لبنان، بل إن طرابلس شهدت حرقًا لسيارات وقود ظن البعض أنها متجهة لسوريا، وسجال متبادل وتهديدات بين سنة طرابلس فى "باب التبانة"، وعلويين طرابلس فى "جبل محسن"، الخطابات الطائفية كانت حتى يوم أمس أشبه بالفحيح الذى يظهر ثم يتوارى ثم يظهر من جديد فى انتظار الفتنة.


مريدو الفتنة فى لبنان وجدوا "موقعتهم" المنشودة حينما تم الاعتداء منذ يومين على أربعة مشايخ من دار الفتوى التى تعبتر هيئة الإفتاء للطائفة السنية - بشكل متزامن فى منطقتين معروفتين بكثافة شيعية فى بيروت، لتشتعل الخطابات الطائفية مرة أخرى، ورغم أن القوى الأمنية بلبنان قامت بالقبض على مرتكبى الحادثتين وعلى مشتبهين بتورطهم فى الحادثتين، فإن من يتابع السياسة فى لبنان يعرف أن القوى السياسية الشيعية، وتحديدًا "حركة أمل" و"حزب الله" لا يمكن أن يخططَا أو أن يكونَا وراء مثل هذه الحوادث.

فالصراع على الحدود اللبنانية السورية فى الشمال واتهام حزب الله بدفع شبابه للحرب بجانب نظام بشار الأسد يجعله دائمًا فى موقف الدفاع عن نفسه، والتأكيد الدائم على أن تأييده للنظام السورى هو تأييد سياسى فقط؛ لوقوف بشار الأسد بجانب حزب الله فى حرب 2006 وإمداده بالأسلحة، ولموقف بشار الأسد من إسرائيل.

تأييد "حزب الله" و"حركة أمل" - وهما جزء من أكثرية نيابية أكبر تضم التيار الوطنى الحر برئاسة ميشيل عون، وتيار المردة، وجبهة التوحيد الإسلامى، والتنظيم الشعبى الناصرى- للنظام السورى يزيد من الضغط عليهم داخليًّا فى لبنان؛ لأنهم لا يعترفون بأن نظام الأسد نظام ديكتاتورى، حيث يمليون إلى الاعتقاد بأن سوريا قد تسقط فى أيدى أنظمة تعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وموقفهم تجاه نظام الأسد فى ذلك واضح لا يقبل الشك– فهم يرون أن بشار الأسد ملاك يطير بأجنحة يرفرف بها على السوريين، وهو – أى بشار– يطعمهم ويسقيهم، فلماذا يثورون؟ بل يرى بعضهم أن الثورة السورية مستوردة وأن السوريين لا يمكلون شجاعة الثورة ضد الأسد.  
كما يرى مؤيدو نظام الأسد فى لبنان أن بشار الأسد يسعى لإصلاحات دستورية، وأنه مستعد للتنازل عن الرئاسة، لكن مزاعم بعض القوى السياسية المؤيدة لبشار الأسد مردود عليه بأن هذه القوى السياسية ترحب وتقبل أن يظل بشار الأسد رئيسًا لسوريا للأبد حتى وإن قمع شعبه قرية قرية وزنقة زنقة.

مشكلة القوى السياسية اللبنانية هى أنها لا يمكن أن ترى الحقيقة بجميع جوانبها، وهى لذلك لا تستطيع أن ترى الوجه والوجه الآخر، أو باللهجة اللبنانية "الحكى والحكى الأخرى"، فبعض القوى السياسية اللبنانية – متمثلة فى حركة 14  أذار التى يقود رأس حربتها "تيار المستقبل" وحزبى "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، ترى أن بشار ديكتاتور، لكن هذه القوى لا تتوقف أبدًا أمام حقيقة أن نظام الأسد لم يكن يومًا حليفًا لإسرائيل، وأن سقوطه قد يصب فى صالح إسرائيل، وهناك قوى أخرى – متمثلة فى حركة 8 أذار التى يقودها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطنى الحر– التى لا تستطيع أن تقف على الحياد السياسى، أو تتخلى عن بشار الأسد؛ لأنهم يعتبرون أن مصيرهم مرتبط بمصير نظام الأسد، حتى وإن قتل بشار الأسد المعارضة فردًا فردًا، حتى وإن دمّر بشار الأسد قرى بل ومدنًا بأكملها، وحصد الموت نساء وأطفالًا ليس لهم ذنب سوى أن ذويهم طالبوا بالحرية من نظام قمعى.

وبعيدًا عن تأييد بعض القوى السياسية اللبنانية لنظام بشار الأسد الدموى، فإن دراسة متأنية للوضع السياسى فى لبنان تقول بأنه ليس من مصلحة هذه القوى - ومن بينها حركة أمل وحزب الله- إحداث فتنة سنية شيعية فى لبنان، وبخاصة إذا كانت دار الفتوى التى أصيب مشايخها تقف على الحياد ولا تنساق مع بعض أقطاب الطائفة السنية – الذين وإن كانوا لا يعبرون عن الطائفة السنية كلها– يلهثون وراء فتنة طائفية بين السنة والشيعة حتى ينجرف لبنان إلى حرب أهلية.

الدلائل على وجود مؤامرة لإحداث فتنة سنية شيعية كثيرة، فتيار المستقبل ليس راضيًا عن قانون "اللقاء الأرثوذكسى" الذى يضمن توزيع أفضل للبنانيين رغم اتفاق حلفائه عليه؛ لأنه قد يقلل من مقاعده فى البرلمان، ويدفع تيار المستقبل فى اتجاه انتخابات برلمانية وفقًا للقانون الحالى – أو قانون الستين– رغم أنه لا يضمن تمثيلًا سليمًا للبنانيين فى البرلمان، فلماذا لا تكون بعض القوى السياسية من 14  أذار وراء ما يحدث من فتنة؟

يؤيد فكرة وجود مؤامرة لإحداث فتنة سنية شيعية الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذى أكد فيه أن هناك من يخطط لهذه الفتنة أن تقع، أما وأن ما حذر منه السيد حسن نصر الله قد وقع بالفعل، واشتعلت الفتنة فى بيروت، فهل سيكون هناك من يطفئها، أم أن لهيبها سيمتد إلى باقى المناطق اللبنانية لتعود لبنان من جديد لحرب أهلية لا نعرف متى ستنتهى وماذا ستجر على المنطقة بأكملها؟  


الجريدة الرسمية