وأظل أسأل أين ذهب الحلم ؟!
لا يثيرني ما حدث، خمس سنوات مرت حتى الآن فيها الكثير من الأحداث، الوجوه سقطت عنها الأقنعة والمعارضة أثبتت فشلها بكل ما تحويه الكلمة من معنى، شخصيًا أعرف أن الثورات لا تقام بين يوم وليلة، أدرك إنها تحتاج الكثير، لكن ما يهمني الآن هو أين ذهب الحلم.
كنت وقتها 21 عامًا حين زحفت إلى ميدان التحرير، الموعد كان 28 يناير بمسجد الاستقامة، أحد أسباب نزولي هو نزول الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى الذي مازالت مقتنع إنه من أفضل صحفي مصر في الثلاثة عقود الماضية، مقالات الدستور كانت هي الذخيرة، مبارك ومصره وعصره كنت انتهيت للتو من قراءته، الأحداث معروفة بتفاصيلها وعلى موقع اليوتيوب وكل من أرخ للثورة شيئًا واحد فقط لن تجده هو ما بداخلي.
وطن حر، ثورة لخلع ديكتاتور، مواجهة قوات الشرطة التي افترت، حق عامل غلبان عرفته حين كنت أقوم بالتغطية أمام مجلس النواب "الشعب سابقًا" وقتها كان العمال معتصمون وكنت أنا أخطو الخطوة الأولى في بلاط صاحبة الجلالة، الأمر برمته ولد لدى إحساس أن الواجب الآن هو التغيير، وعدم اليأس أيًا كان الأمر أو التكلفة هناك من سيحمل الراية.
مرت الأيام وتنحى مبارك، عدت إلى البيت وأنا مستعد للنزول في أي وقت، كنت في كل حدث موجود، الحلم سكن قلبي ومصر الجميلة صورة تلوح في أفقي دومًا، بداية من معارضة استفتاء مارس 2011 ووصولًا إلى مقاطعة جولة الانتخابات 2012، الاشتراك في حملة حمدين صباحي والتظاهر ضد شفيق والمطالبة بقانون العزل، استمارات تمرد والمطالبة بعزل مرسي واقتناعي "حتى الآن" أن رحيل الإخوان أمرًا حتمي، كل هذا لم يستطع أن ينال من حلمي، صحيح أنه مر أكثر من عامين لكني كنت محاطًا بأسوار الأمل، متشبثًا بعم أحمد فؤاد نجم وصوت مصطفى السعيد وهو ينشد نهارنا باين ونهار الندل مش باين.
لم يتسلل الحلم مني، لم يعطني إشارة أن هناك خللا داخليا، بل توقف فجأة، أصبحت لا أريد شيئًا ولا أتعاطف مع أحد، فجأة قررت ألا أتظاهر، ألا أشارك، الحلم ببلد أفضل هو وهم، انتابني لفترة كفر بالوطنية، قررت أن أعمل فقط.
فكرت كثيرًا في ما وصلت إليه، منشورات فيس بوك مازالت تذكرني يومًا بعد آخر إني كنت أطالب بحقوق كثيرة، صورة منهم ذكرتني بــ12 أكتوبر أول مظاهرة بعد 100 يوم مرسي يوم نزل أنصار الإخوان يحاولون الفتك بكل من في الميدان، الاشتباكات التي شاركت فيها، شارع الفلكي الذي كان ملجئي للهروب مازلت أحفظ معالمه، أعود وأسال لماذا ضاع الحلم؟!
ربما يكون السبب هو في سقوط كل الأقنعة، الكثيرون من الناس كنت أراهم رجالا يستطيعون حمل الراية، رايتهم بعد ذلك يطعنون 25 يناير، لم ينتظروا حتى نموت لكي يبدوا مقنعين لكنهم قالوها ونحن احياء، بل بعد 4 أعوام فقط، أصبحت سبة للجميع، ربما يكون السبب هو الشعب الذي تظاهر مطالبًا بالحرية، فعاد وانتخب من جلسوا خلال 5 سنوات يشتمون الثورة، هؤلاء من حاذوا ثقة الشعب، لم نكن جميعًا أنقياء بعض ممن شاركوا في الثورة كشباب جنوا ثمارها الآن، دخلوا مجلس النواب، آخرون سافروا إلى الخارج.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، الحلم لم يذهب فجأة أنا الذي لم ألتفت إليه وهو يتسلل جزءا جزءا حين رأيت الاختلاف على الشهداء من يستحق أن يكون شهيدًا ومن لا يستحق، حتى من استحقوا واعترفت الدولة بهم خرجوا قاتليهم جميعًا، أما من سرقهم فكان نصيبهم الحراسة وهم في أروقة المحاكم، يومًا بعد آخر يخرج أحدهم يخرج لسانه إلى الشعب، بل كان لبعضهم محاولات في الدخول إلى مجلس النواب.
الشعب لم يقف معنا، 25 يناير أصبحت تهمة، الكثيرون تجرءوا عليها، من مات لم يحصل على حقه ومن عاش تلقى الطعنات من الأمام لا من الظهر، كل شيء جميل حلمت به فقدته، لم أعد أحمل حلمًا، بل تأكدت أنه تسرب من بين يدي هل سيعود، هل سيكون لي حلم مرة أخرى لا أعلم ربما هذا ما يؤرقني حتى الآن.