رئيس التحرير
عصام كامل

الدبلوماسية في 5 سنوات.. مصر تنتقل من الغرب إلى الشرق.. قطر وتركيا من الود المعلن إلى العداء الخفى.. عصام الحداد حاول السيطرة على «الخارجية»..وتداعيات عام «الرمادة الدبلوماسية» مست

ثورة يوليو 1952
ثورة يوليو 1952

«مصر دور» قبل أن تكون دولة، دور مرتبط بأربع دوائر هي العربية والإسلامية، الأفريقية، والعلاقات مع أوربا لطبيعة المشتركات التاريخية على امتداد حوض البحر المتوسط، وأخيرا الدول الكبري المتمثلة في أمريكا وروسيا.


هذا الدور ارتبط بقوة القاهرة الدبلوماسية منذ أسس محمد على باشا مصر الحديثة، وشرع في بسط أذرع نفوذه خارجيا، لتثبيت دعائم حكمه وتقويتها، توالت العقود والقرون وتمكنت مصر في أحلك الظروف من امتلاك أوراق اللعبة الخارجية، حتى المحتل استغل موقعها الجغرافى ومكانتها التاريخية لفرض هيمنته أمام القوى الاستعمارية الأخري بالعالم.

ومع ثورة يوليو 1952، والانتقال من العصر الملكى إلى حياة الجمهورية، ظلت مصر رائدة لأمتها العربية وزعيمة لمحورها الأفريقى، ناوشت الولايات المتحدة الأمريكية وتقربت من السوفيت، حتى تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك السلطة، صحيح أنه تمكن في الحفاظ على هذه الريادة لعدة سنوات، انتهت بتخليه عن أفريقيا عقب حادث محاولة اغتياله في العاصة الإثيوبية "أديس أبابا" عام 1995، تبعه تراجع في الملفات العربية وترك المساحة شاغرة لدويلة بحجم قطر للعب دور المناوئ بقناة فضائية، تجنبا للصدام مع الأنظمة العربية خشية فتح ملف توريث نجله جمال في وسائل الإعلام بالمنطقة بعد نجاحه في تكميم الأفواه الداخلية.

مثلما تصدع حكم مبارك بالفساد والاستبداد، انهارت منظومة الدبلوماسية المصرية في آخر سنوات حكمه قبل ثورة 25 يناير، وكافح وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى للحفاظ على هذه الهيبة، ما اثار حفيظة النظام عليه وقرر الإطاحة به لمعاقبته على شعبيته المتزايدة بالشارع المصري، بعدها تسلم الوزير الأسبق أحمد ماهر المهمة ولم يكن له دور ملموس ولم يسجل له التاريخ الدبلوماسي موقف سوى ضربه بالحذاء في المسجد الأقصى، ثم تسلم المنصب أحمد أبو الغيط، وحمل ملف ملغوما بفتور العلاقات وقزم توحش بقناة –قطر- وصورة ضبابية بسبب وريث حكم تحكم "شلته" مفاصل الدولة.

ظلت الأزمة ترواح مكانها حتى اندلعت ثورة 25 يناير، وتنحى مبارك عن السلطة، وترك بلدا ممزقا داخليا وخارجيا ومكبلا بالتبعية للولايات المتحدة الأمريكية.

اليوم ومع حلول الذكرى الـ 5 لثورة يناير، حان وقت فتح كشف حساب خمس سنوات" عجاف" في تاريخ الدبلوماسية المصرية التي ما زالت ترقد في الإنعاش وتسير وفقا للأهواء وتصادق وفقا للتداعيات المرحلة، وتنفصل على طريقة المراهقين بسبب "تصريح".

عام الرمادة
عقب تنحى حسنى مبارك عن حكم البلاد، وتسليم الدولة إلى المجلس العسكري، حكم ميدان التحرير القاهرة، وأصبح تولى المناصب الوزاية تلبية لمطالب الميدان بغض النظر عن الكفاءة والقدرة على أداء المهمة، ولما كان حينها من نفوذ خفى لعناصر الإخوان في ميادين الثورة، وتحول صفوت حجازي إلى مصدر فرمانات التعيين في المناصب الوزارية، رفع اسم الدبلوماسي نبيل العربي، وطالبت القوى الثورية بتعيينه وزيرا للخارجية في حكومة عصام شرف، خلفا لنظيره أحمد أبو الغيط الذي عوقب على عمله مع نظام مبارك.

اختيار العربي، جاء بقرار مراهقة سياسية على خلفية تصريح سابق له ضد دولة الاحتلال الإسرائيلى، وتفسرت فيما بعد أسباب الدفع به عقب الكشف عن علاقته بالنظام القطري التي عززتها تصريحات أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر محمد المسفر، والذي تبنى الترويج للعربى على أنه "طوق نجاة" لدبلوماسية مصر الغائبة.

وخلال الشهور التي تولى العربي رأس الدبلوماسية المصرية، شهد سجله الوظيفى عدة بيانات تبدأ بحرف "النون" على غرار "نشجب وندد وندين ونستنكر ونتفهم"، إلى أن ترك منصبه لتولى منصب أمين عام جامعة الدول العربية، خلفا لعمرو موسى، في صفقة إخوانية كشفها أيضا نية حزب الحرية والعدالة "المنحل" الذراع السياسية لجماعة الإخوان مساندته كمرشح توافقى للرئاسة مصر.

قبل انقضاء السنة الأولى من ثورة يناير التي تستحق أن يطلق عليها "عام الرمادة" لما شهدته من جفاف في السياسة المصرية داخليا وخارجيا، شغل السفير محمد العربي منصب وزير الخارجية لمدة شهرين، ووجوده كان اشبه بالديكور الحكومى للحفاظ على شكل مؤسسة الدبلوماسية التي تجمدت خلال هذا العام، وملء المنصب الشاغر، وسارع بتقديم استقالته للقفز من مركب غارق في يوليو من نفس العام متعللا برفع الحرج عن عصام شرف أثناء مشاروته لتشكيل الحكومة الجديدة.

الدبلوماسية الشعبية
في ظل غياب وزارة الخارجية عن المفات المهمة، ظهر على سطح الحياة السياسية ما يسمى "الدبلوماسية الشعبية"، وفود وشخصيات تشكل على أهواء الميدان والإخوان، بهدف تنشيط العلاقات.

ومارست هذه الوفود مراهقة سياسية حقيقة في جميع الملفات العربية والأفريقية، وسيطر على غالبية أعضائها المصالح الخاصة، من بينهم من تملك أرضا زراعية في السودان، وأخر كان يبحث عن سوق لمنتجات شركات أدوية بمتلكها، علاوة على بعض الرموز الإعلامية المستهلكة منذ عصر مبارك تواجدت على طائرة هذه الوفود للبحث عن فرصة لتمويل مطبوعة صحفية من أحد الدول الخليجية.

استمرت الظاهرة لشهور وانتهت كما بدأت، وعلى غرار الائتلافات الثورية التي كانت يعلن عنها في مقاهى وسط البلد، توالت الإعلانات عن المسميات ووفود الدبلوماسية الشعبية على الفضائيات.

الحداد.. يسيطر على الخارجية
بالعودة إلى عام الرمادة 2011، عقب استقالة العربي، اختار عصام شرف، رئيس الحكومة آنذاك السفير السابق محمد كامل عمرو، والذي استمر في منصبه وعاصر سنة حكم الرئيس "المعزول" محمد مرسي، وبحسب حديث دبلوماسي سابق مطلع على كواليس وزارة الخارجية، سيطرت جماعة الإخوان - المصنفة إرهابية- على مفاصل الوزارة وجميع البعثات الدبلوماسية في الخارج، وقت وجود كامل عمرو في منصبه.

وهيمن عصام الحداد حينها على صناعة القرارات الدبلوماسية، وشهدت مصر بركانا دبلوماسيا أحرق جميع الملفات الخارجية والتي ما زالت تعانيه القاهرة حتى الآن عربيا وأفريقيا ودوليا.

قصف سد النهضة
تعمد الجماعة تهميش وزارة الخارجية وهمينت رجلها على الملفات الخارجية، بدأت الأزمات تتولى، ويأتى على رأس "قائمة المصائب" أزمة "سد النهضة" التي ظلت كأمنة منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ونجح مرسي في اجتماعه الشهير بـ"المشايخ" في تفجيرها وقلب الأوضاع رأسا على عقب، عندما أذاع الاجتماع السري لمناقشة قصف أديس أبابا على الهواء مباشرة، ومثل فضيحة كبرى للدبلوماسية المصرية.

وما زالت تعانى مصر تداعيات هذا الاجتماع حتى الآن، بعد إصرار الجانب الإثيوبي على تشييد السد نكاية في القاهرة، التي تخطط لقصفه بشكل سري في اجتماع مذاع على الهواء.

الدوحة تحكم القاهرة
خلال عام 2012 الذي شهد فوز مرسي بالرئاسة، سيطرت قطر من خلال رجال الإخوان عصام الحداد، على مفاصل المؤسسة الدبلوماسية وحركتها بناءً على أهواء الأمير سواء على صعيد البيانات الرسمية، أوترتيب الزيارات الخارجية.

الملفت في الأمر حينها، تحول قصر الاتحادية إلى مقر لاستقبال أعضاء التنيظمات المسلحة –حماس، وممر لتمكين قطر وتركيا من مقدرات الدولة المصرية.

ولم تسلم الجامعة العربية من الانبطاح لتوجهات الدوحة -بيت مال- رئيس مصر حينها-مرسيى-، وجمد مقعد سوريا بتعليمات أميرية، وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ودمشق بقرار الحداد، وشهدت قاعة الاجتماعات الكبرى هتاف ضد رئيس دولة عربية –بشار الأسد- وتحريض على القتال في الميادين على لسان مرسي.

"جان آجون".. رجل تركيا بالقاهرة
هدم أسوار القاهرة الدبلوماسية لم يقتصر على المعول القطري، وطاله أيضا العثمانيون الجدد، وتمكن رجب طيب أردوغان، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء حينها من التحكم في دفة الدبلوماسية المصرية، وكانت التعليمات العثمانية تأتى من الباب العالى إلى مكتب الإرشاد بعيدا عن مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية.

وعمل رجل أردوغان الخفى بالقاهرة، "جان آجون" رئيس مؤسسة الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التركية "سيتا"، على نقل الرسائل والتوصيات من خلال مكتب المؤسسة الذي تم تددشينه في منطقة وسط البلد، كوجهة خفية لنقل التوصيات الدبلوماسية التي تتحرك القاهرة خارجيا بناءً عليها.

مصر وأروبا.. "دونت مكس"
في سياق محاولة جماعة الإخوان رسم خريطة دبلوماسية جديدة تقوم على تركيع القاهرة أمام الغرب بغية دعم حكم الجماعة، سارع مرسي لزيارة عدة عواصم أوربية أهمها لندن وبرلين، وقدر الله أن يحفظ الجيش المصري من صفقة قذرة عقدها "الحداد" مع الجانب البريطانى نظير دعم "مرسي" أمام الحراك الشعبى ضده، تضمنت تعهد مصر بإرسال قوات برية إلى سوريا للمعاونة في الإطاحة بنظام الأسد.

برلين هي الأخرى، شهدت فضيحة هزت مصر داخليا وخارجيا بتصريحات "مرسي" وتصرفاته أثناء المؤتمر الصحفى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأصبحت جملته الشهيرة "الدرايف والكحول..دونت ميكس" مادة ساخرة في الصحافة الأوربية والتي تحتفظ بها في أرشيفها عن أعوام الثورة في مصر حتى الآن.

القطيعة مع الخليج
دول الخليج العربي التي تربطها بالقاهرة علاقات جذورها ضاربة في التاريخ، لم تسلم من مشروع الإخوان الدبلوماسي، ونالت السعودية والإمارات والكويت والبحرين نصيبها من أعوام التصحر الدبلوماسي.

السعودية التي كانت تحت حكم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، تعرضت لسهام تحريض الجماعة منذ ثورة 25 يناير، حتى عزل مرسي، لصالح أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي كان يناصب النظام السعودي وقتها العداء بسبب أحلامه في قيادة الخليج العربي.

الإمارات هي الأخرى تجرعت مرارة مشروع الإخوان فوق أراضيها، وكانت دائما هدفا للهجوم الإخوانى، وتعلقت أبو ظبى أكثر من مرة في اتخاذ خطوة سحب سفيرها من القاهرة حرصا على العلاقات التاريخية مع الشعب المصري.

علاقات متخبطة مع إيران
مشروع الجماعة منذ البداية تبنى نهجا دبلوماسيا يرسخ لفكرة الدول الدينية تنفيذا لتعليمات أمريكا الداعمة للوبى الصهيونى المطالب بـ"دولة يهودية"، وفى ظل الخدمات القدمة على بياض لواشنطن، سعت الجماعة للتقرب من إيران رغم الخلافات المذهبية وتضاد الأهدف في سوريا، وزار "مرسي" طهران لحضور قمة "عدم الانحياز".

لم تخل العلاقات من غزل متبادل بين مرشد القاهرة محمد بديع، والمرشد الإيرانى على خامنئي، الذي حرص في أكثر مناسبة على طمس الثورة المصرية –يناير- بالصبغة الإسلامية.

من جهة أخرى اعتبرت قيادات الجماعة، التقرب من طهران انتقاما من نظام مبارك الذي ظل مقاطعا لها طول عقود حكمه، وانتقاما من شخص السادات الذي سمت إيران أحد شوارع طهران باسم قاتله "خالد الاسمبولى" للرد على استضافة القاهرة وقت حكمه للشاه الإيرانى السابق محمد رضا بهلوي.

ثورة 30 يونيو
استمر تخبط الجماعة خارجيا، وحاولت السعى نحو المعسكر الشرقى الرافض لها، وسجلت زيارة المعزول إلى روسيا فضيحة دبلوماسية للقاهرة التاريخية، حينما خطط لها الحداد دون علم وزارة الخارجية، ما أدى إلى استهانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضيفه، وتم استقباله بطريقة مهينة.

انتهى مشروع الجماعة برمته داخليا وخارجيا، باندلاع ثورة 30 يونيو وبيان عزل مرسي في الثالث من يوليو، وبدأت القاهرة صياغة السياسية الخارجية من جديد، وتولى السفير نبيل فهمى وزارة الخارجية في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور.

فهمى لما يملكه من تاريخ طويل في العمل الدبلوماسي، بدأ مرحلة المؤامات والمصالحات الخارجية، ونظرا لتعاطف دول الخليج مع ثورة يونيو وتأييدها لإنهاء مشروع الإخوان الرامى إلى تفتيت المنطقة.

كانت الرياض على رأس العواصم العربية الداعمة، وحينما شرعت أوربا في معاقبة مصر على عزل مرسي وجماعته طار وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، ليعلن من قلب قصر الاليزيه بفرنسا وقوف المملكة إلى جانب القاهرة بكل قوة، ومتوعدا بحسب الاستثمارات السعودية في حال الاصرار على وصف ثورة يونيو بـ"الانقلاب".

العودة للدائرة العربية
خطوة العودة إلى الدائرة العربية والإسلامية لم تتطلب بذل جهود مصرية، خاصة أن العواصم الخليجية كانت على قناعة بعدم قدرة الجماعة على قمع شعب ثار في وجه مبارك، واستشعر خطر سقوطه في سيناريو سوريا وليبيا واليمن والعراق.
ساندت المملكة العربية السعودية، مصر بكامل طاقتها الدبلوماسية والاقتصادية، وحمل كتاب التاريخ في العلاقات بين البلدين صفحات مضيئة للراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في مساندة مصر وشعبها، والذي ودع العالم والقاهرة بلقاء خاطف مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمطار القاهرة في لقاء خاطف على طائرته الخاص أثناء عودته من رحلة علاج بالمغرب.
بالمثل حشدت الإمارات طاقتها السياسية الخارجية لدعم النظام المصري على كل الأصعدة، ومارست ضغوطا هائلة على الغرب لإقناع أوربا بإرهاب جماعة الإخوان، وسخرت مواردها المالية لمواجهة اللوبى الإعلامي لقطر وتركيا في الغرب، الذي تعمد تشويه الحقائق وحرض على القاهرة بكافة الوسائل.

وعلى ذات النهج فتحت العواصم الخليجية أبوابها أمام الدبلوماسية المصرية، وشهد العامان الماضيان عودة قوية لروح العلاقات المصرية العربية.

ودعم السيسي توجه دعم العلاقات في المحيط العربي، واستهل زيارته الخارجية بدولة الجزائر لضمان مد جسور التعاون من المحيط إلى الخليج.

وسط هذا المعترك ظلت العلاقات مع إيران مجمدة رغم حاجه مصر إلى إعادة هيكلتها في ظل الدور المرتقب لطهران بالمنطقة، والتقرب الحثيث من دولة الملالى القائم على الندية وفتح سبل للتواصل لن يضر الخليج المعادي لها بقدر ما يحمله من إيجابيات مستقبلية تضع جميع الأطراف على الطاولة، والقاهرة مؤهلة بقوة للعب دور الوسيط النزيه لابتعادها منذ فجر التاريخ عن الصراعات المذهبية بين "السنة والشيعة" التي تفخخ طريق التواصل بين طهران والعواصم الخليجية.

الزواج الكاثوليكى
الدائرة العربية رغم سهولتها عادت القاهرة إلى النقطة "صفر" في علاقتها مع الدوحة، بعد شعور الأخيرة بخسارة ملايين الدولارات بإجهاض القاهرة لمشروعها بعزل الإخوان، وأيضا تركيا بعد أن كشف أردوغان عن وجهه الإخوانى دون مواربة.

وسط هذا المعترك الدبلوماسي، ظلت واشنطن العقبة الأساسية أمام القاهرة واتسمت العلاقات الدبلوماسية مع إدارة الرئيس باراك أوباما بالفتور، في ظل عدم القدرة عن فك الارتباط بين ليلة وضحاها بعد عقود من التبعية وعامين من الانبطاح.

التصريحات التي تخرج عن القاهرة حول العلاقات تتسم بـ"الدبلوماسية" واتباع سياسية إمساك العصا من المنتصف، حتى تبدد غيوم العلاقات، واشنطن بما تملكه أكثر جرأة بطبيعة الحال وتدافع عن مشروعها في جماعة الإخوان، بين الحين والآخر دون مجاملات، وتتبع سياسة الكيد الدبلوماسي في هذا الشأن.

بدوره حرص وزير الخارجية السابق نبيل فهمى على هذه الصيغة، حتى سقوطه دبلوماسيا في تشبيه العلاقات بين مصر وأمريكا بـ"الزواج الكاثوليكى".. هذا التصريح رغم قساوته على فهمى لتسببه في الاطاحة به من منصبه، وضح خارطة التوجهات الدبلوماسية التي انتوي "السيسي" السير فيها وكشفت قرار القاهرة بتعدد الخيارات والتحرك شرقا بخطوات متسارعة.

بوتين وبرج القاهرة
هبطت طائرة القاهرة الدبلوماسية فوق الأراضى الروسية، وبدأت ملامح سياسية خارجية جديدة أظهرت نية النظام الجديد في تحريك الملفات العالقة في واشنطن إلى موسكو.

ورغم المحادثات الهاتفية الدائمة بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره سامح شكري، بدا أن وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف أصبح يحتل مكانة خاصة لدى رأس الدبلوماسية المصرية الذي يميل هو الآخر لهذا الانتقال الهادئ ويجد توافقا مع موسكو.

التردد الأوربي
فتح الدائرة العربية وكسر الدائرة الأمريكية بالحليف الروسي، اتضحا خلال الفترة الماضية مدى سهولته، مقارنة بالدائرة الأوربية المغلقة في ظل هيمنة تركيا على عدد من العواصم الأوربية واستثمارات قطرية تحرك الهوى السياسي لأصحاب البشرة البيضاء.

ربما تكون زيارات السيسي إلى عدد من العواصم الأوربية بردت من سخونة الخلافات، على خلفية إغلاق بعض المنظمات والجميعات الحقوقية الأوربية التي تمثل أذرع استخبارات خفية تعمل تحت لافتات إنسانية.

ومن المؤكد أن هذه الدائرة تتطلب جهدا خاص، ومناورات دبلوماسية متعددة تشتمل على اللين والعناد حتى كسر جمهودها المتوقع له استمراره على هذا النهج لسنوات لقادمة.

البعد الأسمر
يتبقى أمام النظام الحالى مهمة شاقة أيضا لا تقل صعوبة عن اختراق الدائرة الأوربية، وهى قارة أفريقيا التي تعج بالمشاكل بالخلافات وعلى رأسها "سد النهضة"، وكذلك الجارة الشقيقة السودان التي تصافح القاهرة في العلن وتتناحر معها ايدلوجيا في الخفاء.

وعقب عقود من القطيعة التي خلقها "مبارك"، ولعل تأسيس "الوكالة الأفريقية المصرية من أجل التنمية" الهادفة إلى مد جسور التواصل مع القارة السمراء، خطوة في بداية طريق العودة بالرغم من عدم بذلها الجهد المطلوب حتى الآن ولم يتعدي نشاطها العناوين البراقة في وسائل الإعلام.

الطلاق البائن
خلال الخمسة أعوام التي انقضت من تاريخ ثورة 25 يناير، تأرجحت العلاقات الدبلوماسية تبعا لأهواء صانع القرار، وتنقلت من الغرب إلى الشرق ومن الزواج الكاثوليكى إلى الطلاق البائن.. الأمر الذي يلحق بالغ الضرر بـ"مصر الدور"، ما يستدعى السير في نهج دبلوماسي منضبط يقوم بتعدد الخيارات الحقيقية، وتجنب الانجرار من الانبطاح غربا إلى التبعية شرقا تجنبا لصراع الدوائر التي تتطلب التواجد الدبلوماسي المصري بهدف شد القاهرة الدبلوماسية من كبوتها وعودتها إلى كوزموبوليتان فاعل لا مفعول به في معادلة الصراع السياسي الدولى والإقليمى.
الجريدة الرسمية