رئيس التحرير
عصام كامل

7 حكومات منذ ثورة يناير والنتيجة لم ينجح أحد.. ارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة من 134 مليار جنيه 2011 لـ 240 في 2015.. سياسة الدعم والاقتراض من الخارج لاستكمال المشروعات وزيادة الرواتب

فيتو

«الأوطان لا تبنى إلا بالجهد والعرق والتحلى بالصبر والإيمان»..، كثيرا ما تعرضت بلادنا مصر العريقة لكثير من الأزمات والمشاكل، لكنها دائما ما كانت تتجاوز هذه الفترات الصعبة والسنين العجاف، مهما طال الوقت والزمن، وانكسرت على عتباتها جيوش الطغاة والمستعمرين.


وكما قال الشاعر أحمد محرم « من يسعد الأوطان غير بنيها، وينيلها الآمال غير ذويها، ليس الكريم بمن يرى أوطانه، نهب العوادى ثم لا يحميها، ترجو بنجدته انقضاء شقائها، وهو الذي بقعوده يشقيها ».
الخامس والعشرون من يناير 2011 منذ ذلك اليوم والحكومات تتعاقب الواحدة تلو الأخرى على حكم مصر حتى وصل عددها إلى 7 حكومات منذ قيام الثورة الأولى وحتى الآن بدءا بالفريق أحمد شفيق مرورا بالببلاوى والجنزورى ومحلب وصولا إلى شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء الحالي.

والرابط المشترك بين جميع الأسماء السالفة أنها فشلت بـ«التلاتة» في التغلب على الأزمات التي تحاصر مصر منذ رحيل نظام مبارك الذي حكم البلاد لثلاثين عاما، وراحت تلجأ لسياسة الاقتراض من البنوك المحلية والمؤسسات الأجنبية أملا في تحقيق المعادلة الصعبة لكن الأزمات تتفاقم والعجز في الموازنة العامة للدولة يزداد سنة بعد الأخرى، ومطالب المصريين وأعدادهم تزداد أيضا وهو ما يتطلب توفير الأموال اللازمة لتحقيق معيشة كريمة لكل مواطن مصري.

الموازنة العامة للدولة.. «طريقك مسدود يا بلدى»
أولى الأزمات التي تعانيها مصر منذ ثورة يناير وحتى وقتنا الحالى تتمثل في انهيار الاقتصاد المصري، حيث شهدت السنوات التي تلت أحداث 25 يناير زيادة كبيرة في عجز الموازنة المصرية، حيث ارتفع العجز الكلى إلى 134.4 مليار جنيه في العام المالى 2010-2011، من 98 مليارا في العام السابق عليه، ثم ارتفع في 2011-2012 إلى 166.7 مليار جنيه، ثم إلى 239.7 مليار جنيه في 2012-2013، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 255.4 مليار جنيه في 2013-2014، يأتى ذلك في الوقت الذي تستهدف فيه الحكومة أن يصل العجز إلى 240 مليار جنيه خلال العام المالى الجارى 2014-2015.

العجز في الموازنة العامة في ازدياد دائما والسبب معروف لكل حكومة وهو اتباع سياسة التمويل بالعجز كوسيلة لتمويل التنمية الاقتصادية في المجتمع عن طريق الاقتراض من البنوك، والإنفاق الكبير على المستلزمات السلعية والخدمية، وتدهور القوة الشرائية للنقود مع ازدياد حدة الضغوط التضخمية وارتفاع الأسعار، مع وجود مخصصات الدعم السلعي، وارتفاع تكلفة الاستثمارات نتيجة الفساد الإدارى من جهة وعدم تطبيق مبادئ الإدارة الحديثة في تنفيذ هذه المشروعات.

كما ساهمت الزيادات فيما يخص الرواتب والأجور، في ارتفاع عجز الموازنة وهى زيادات اسمية وليست حقيقية كونها لا تؤدى إلى زيادة القوة الشرائية لأفراد المجتمع، بالإضافة إلى زيادة خدمة الديون العامة، وجمود الأنظمة الضريبية نتيجة عدم قدرتها على الاستجابة وتقديم السياسات الملائمة التي تعمل على معالجة الضغوط التضخمية من جهة وانخفاض القوة الشرائية للنقود من جهة أخرى.

السياحة.. مع «الكساد ذلك أفضل جدا»
«طعنة في الظهر» تعرضت لها السياحة في مصر منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن، فالقطاع الكبير الذي كان يحقق مكاسب 3 مليارات دولار في عام 2010، حقق في عام 2014 فقط 125 مليون جنيه مصري، وتأثرت حركة السياحة بالأحداث السياسية والاضطرابات الأمنية، الأمر الذي جعل غالبية الدول الأوربية تحذر رعاياها من زيارة مصر، ما جعل عدد السياح في الفنادق المصرية ينخفض من 14.7 مليون سائح في عام 2010 إلى 9 ملايين فقط في 2013.

فيما فقد 16 ألف مرشد سياحى عملهم خلال الـ5 سنوات الأخيرة من أصل 18 ألف مرشد يعملون بالقطاع السياحى بسبب الأزمات المتلاحقة التي تعرضت لها السياحة منذ قيام الثورة في 2011، مرورا بهجوم رفح الذي نفذه مجهولون ضد قوات تابعة للجيش والذي راح ضحيته 18 جنديا وإصابة 7 آخرين في أغسطس 2012، وفى فبراير 2013 شهدت مصر حادث «منطاد الأقصر» الذي راح ضحيته 19 سائحا كانوا على ارتفاع 300 متر، وفى فبراير 2014 أسفر حادث تفجير أتوبيس سياحى في منفذ طابا عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 14 آخرين، وفى يوليو 2015 شهدت مصر حادث تفجير القنصلية الإيطالية بالقاهرة، حتى حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء أكتوبر 2015 والذي أسفر عن مقتل 224 سائحا وكان سببا في خسائر فادحة تعانى منه السياحة حتى الآن واضطر المستثمرون إلى إغلاق فنادقهم بشرم الشيخ بعدما وصلت خسائرهم إلى الملايين بسبب حظر روسيا وبريطانيا وعدة دول أخرى السفر إلى المدينة.
من جانبه صرح – في وقت سابق - هشام زعزوع وزير السياحة بأن مصر ستخسر بسبب أزمة سقوط الطائرة الروسية 2.2 مليار جنيه شهريا، ولم تفلح مبادرة «مصر في قلوبنا» في إنقاذ مدينة السلام من الافلاس ووقفت الدولة مكتوفة الأيدى أمام أكبر مشكلة تواجه الحكومة الحالية والتي تسببت في زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة إلى 186 مليار جنيه خلال الـ8 أشهر الأخيرة فقط.

أزمات «الجنيه الحائر»
انحدرت قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار خلال الـ5 سنوات الأخيرة، حيث سجل سعر الدولار في 2011 5.855 جنيه، وفى عام 2012 سجل 6.056 وارتفع إلى 6.899 جنيه بنهاية ديسمبر 2013، ووصل سعر الدولار إلى 7.143 في 2014، وسجل آخر سعر للدولار بـ 2015، 7.8291 جنيهات.

وأرجع المحللون الاقتصاديون السبب في انهيار سعر الجنيه أمام الدولار إلى أزمة السياحة وزيادة الواردات التي تتطلب توفير الدولار، مقابل تراجع حاد للصادرات المصرية إلى الأسواق الاوربية، والعجز في الميزان التجاري، وتسبب ذلك الارتفاع في سعر الدولار إلى ارتفاع في الأسعار خلال الـ5 سنوات الأخيرة.

سد النهضة وخطة تعطيش مصر
كان إقامة سد النهضة الإثيوبى بالنسبة لإثيوبيا حلما كبيرا تحطم على صخرة النظام المصرى منذ أيام السادات وحتى مبارك، ولم تكن أديس أبابا تجرؤ على وضع حجر واحد بسبب التهديد المصرى بالتعامل العسكري بلا هوادة مع الأمر، لكنها استغلت انشغال القاهرة بعد ثورة 25 يناير ووضع رئيس وزرائها السابق ميليس زيناوى حجر أساس السد في أبريل 2011 بتكلفة 4.8 مليار دولار، ولجأت مصر إلى المفاوضات المستمرة حتى الآن، وقامت إثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق في غفلة من القاهرة، وانتهت تقريبا حتى الآن من 50 % من السد، وكان آخر اتفاق وقع عليه الدول الثلاث «مصر، السودان، وإثيوبيا» في الخرطوم أن تكون هناك مهلة 8 أشهر للانتهاء من الدراسات الخاصة بتأثير بناء السد على دول المصب مصر والسودان.. والحقيقة أن السد أصبح أمرا واقعا لا تقدر مصر على إنكاره، ورغم تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لا يمكن أن يسمح بأن تضار مصر، إلا أن بناء السد الإثيوبى يؤثر سلبا وفقا للدراسات العلمية على حصة مصر المائية البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا خلال سنوات ملء خزان السد الإثيوبي.

حقبة الإخوان
نجحت جماعة الإخوان المسلمين – المصنفة إرهابية- في الوصول إلى الحكم بفوز الرئيس «المعزول» الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، وما إن تسلمت الجماعة السلطة حتى راحت تسيطر على كل شيء وتقصى كل التيارات، لم تسمع الجماعة إلا صوت نفسها، وكان مقر الحكم هو مكتب الإرشاد، فقدت مصر هيبتها بين الدول، وارتكبت الجماعة أخطاء قاتلة بداية من تمرير دستور 2012 رغم اعتراض الجميع عليه، ورفضهم التوافق الوطنى في تشكيل حكومة هشام قنديل رغبة في الانفراد بالسلطة، والصراع مع وسائل الإعلام الذي وصل إلى ذروته في عهد مرسي، إضافة إلى تردى الأوضاع الاقتصادية وتراجع معدلات العمل والاستثمار، وتهميش الفئات الاجتماعية التي صنعت ثورة يناير.. حتى جاءت حركة تمرد لتى نجحت في الحشد الشعبى ضد حكم الإخوان وانتهت بقيام ثورة الثلاثين من يونيو.

مصر تنكوى بنار الإرهاب
قال مبارك قبل أن يتنحى ويسلم المجلس العسكري بقيادة طنطاوى إدارة البلاد « أنا أو الفوضى ».. الجملة ذاتها رددتها جماعة الإخوان، وقد كان.. انكوت مصر بنار الإرهاب خلال الـ5 سنوات منذ ثورة يناير وحتى الآن بفعل الجماعات الإرهابية التي سمح لها محمد مرسي بالمكوث في سيناء، ونفذت الجماعات الإرهابية المتطرفة عدة هجمات في عهد المجلس العسكري، استهدفت قوات الجيش والشرطة، أبرزها تفجير خطوط الغاز واستهداف عدة كمائن شرطية خاصة في عهد محمد مرسي راح ضحيتها عشرات الجنود بالجيش المصري.

كما شهدت 2013 هجمات استهدفت مقرات أمنية بعد عزل مرسي، خلفت 55 قتيلًا حتى نهاية عام 2013 وكان أكثر هذه العمليات الدموية، عملية رفح الثانية والتي وصل عدد الضحايا فيها إلى 25 قتيلا بعد نصب كمين للحافلة التي كانت تقلهم.
وكان أبرز الهجمات الإرهابية في عهد السيسي عملية كرم القواديس واستهداف فندق القوات المسلحة بالعريش، وفندق إقامة القضاة بالانتخابات الأخيرة، وحادث الكتيبة 101 وكمين الماسورة.
المئات من شهداء الجيش والشرطة والمدنيين راحوا ضحية الأعمال الإرهابية من يناير 2011 وحتى الآن وما زال العدد مرشحا للزيادة رغم الخطط الأمنية للقضاء على الإرهاب الذي استفحل أمره في البلدان العربية والأوربية.

ورطة القروض
لجأت مصر إلى الاقتراض من الخارج لإمكانية الوفاء بالالتزامات والمضى قدما نحو إنشاء المشروعات لا سيما في مجال البنية التحتية، وتعويض العجز في الموازنة العامة للدولة، وحصلت مصر على العديد من القروض خلال الـ5 سنوات الأخيرة.
يرى خبراء الاقتصاد أن هذه القروض تمثل عبئا على الدولة والموازنة العامة في المستقبل بسبب عدم قدرة الدولة على دفع أقساطها وهو ما يعنى إرهاق الموازنة العامة التي تعانى العجز.
فيما يرى المهندس شريف إسماعيل رئيس الحكومة الحالى أنه لا توجد دولة في العالم لا تقترض لإنشاء مشروعات قومية كبرى، بشرط أن تكون هذه القروض حسنة وميسرة، مؤكدا أن التخوفات من هذه القروض ليست في محلها.
ونجحت مصر في التعاقد مع البنك الأفريقى للتنمية والبنك الدولى على اقتراض 4.5 مليارات دولار خلال 3 سنوات، إضافة إلى عشرات القروض من الصندوق الكويتى للتنمية والصندوق الإماراتى والعديد من دول أوربا فيما يتعلق بمشروعات الصرف ومياه الشرب والبنية التحتية.

سياسة التغيير
على الرغم من تعدد الحكومات منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن والأمور تدار بعشوائية كبيرة، ولم تفلح التعديلات الوزارية وحركات المحافظين في كل حكومة في التغيير، بما يؤكد أن سياسة الاختيار خاطئة وبلا معايير سليمة ولا تعتمد على الكفاءة والمهنية، فصارت الأوضاع بالشارع المصرى من سيئ إلى أسوأ وأحرج نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة وعدة مرات، وانتقص ذلك بالتأكيد من شعبية الرئيس.

إلغاء سياسة الدعم
وتسعى الحكومة حاليا لإلغاء سياسة الدعم تدريحيا خلال 5 سنوات حتى يذهب إلى مستحقيه، من خلال العمل على خفض الأسعار بتوفير السلع مخفضة وليست مدعمة.. ويرى رئيس الوزراء الحالى المهندس شريف إسماعيل ضرورة ملحة في أن تقدم الخدمة للمواطن المصرى بتكلفتها الحقيقية حتى لا تخسر الحكومة وتكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
الجريدة الرسمية