رئيس التحرير
عصام كامل

ليس دفاعًا عن المستشار جنينة


عندما يتقدم ٢٥ نائبًا بطلب إلى الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، لاستدعاء المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وكذلك لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها رئاسة الجمهورية؛ للتحقيق والاطلاع على الوقائع التي أوردها المستشار جنينة، والرد الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق، فإن هذا الطلب لا يمكن أن يفسر على أنه يهدف إلى إنقاذ الرجل من الورطة التي وقع فيها بحديثه عن حجم الفساد في مصر، وإنما يعبر عن رغبة العديد من النواب في التوصل إلى الحقائق المجردة، لذلك جاء حرصهم في الطلب المقدم إلى رئيس مجلس النواب، إلى أنهم يهدفون إلى استيضاح الحقيقة دون تحيز مع أو ضد المستشار جنينة «فإذا اتضح للبرلمان صدق ما ذكره، وجب سرعة محاسبة الفاسدين.. وإذا ثبت عدم صحة تصريحاته، وجبت محاسبة الرجل».


وربما لا يُرضي هذا الموقف بعض النواب الذين طالبوا بإحالة المستشار جنينة إلى النيابة، بعد أن أدانه تقرير لجنة تقصي الحقائق، وارتفعت أصوات أخرى تطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بعزل جنينة فورا؛ تمهيدا لمحاكمته، بعد أن أدت تصريحاته للإساءة لسمعة مصر.. وتشويه صورتها أمام العالم أجمع، وأنه كان يسعى إلى تكدير الأمن العام وتهديد الأمن القومي!

ولو استجاب مجلس النواب لهذا الطلب، لقدم خدمة رائعة ليس للمستشار جنينة وحده، الذي سيتحول إلى رمز محاربة الفساد، إنما لأعداء مصر الذين سيروجون أن الدولة المصرية تتستر على الفساد وتحمي الفاسدين، وأن الحيلولة دون أن يحصل جنينة على فرصة للدفاع عن نفسه وتوضيح حقيقة الأرقام التي ذكرها أمام مجلس النواب، يثبت أن حجم الفساد في مصر تجاوز الأرقام التي وردت في تقارير الجهاز المركزي.

وسيجد الذين يرددون تلك الآراء، قبولا واسعًا في الخارج، كما ستتلقفه مؤسسات التمويل الدولية، للزعم أن مصر ليس لديها رغبة حقيقية في مواجهة الفساد، متجاهلة أن رئيس مصر لا يتوقف عن ذكر أن مواجهة الفساد، أحد التحديات التي تواجه الدولة، وأنه لن يتوقف عن مطاردة الفاسدين، وأنه أمر بتشكيل لجنة يرأسها رئيس الوزراء؛ لإعداد استراتيجية لمواجهة الفساد.. وتخليص البلاد من آثاره المدمرة.

وستتجاهل أيضًا أن أحد الوزراء يحاكم الآن أمام المحاكم المصرية بتهمة الفساد، وأن الرئيس كان بمقدوره أن يعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، عقب إعداد لجنة تقصي الحقائق التي أدانت الرجل، ولكنه حرص على أن يحيل التقرير إلى مجلس النواب ليحقق في الأمر، ويكلف الحكومة بمراجعة الوقائع التي تضمنها التقرير؛ لمحاسبة من يثبت فساده.

تلك المواقف الواضحة التي تؤكد أن الدولة جادة في التصدي للفساد، كانت ستتجاهل من الرأي العام في الداخل الذي تسيطر عليه البيانات المتضاربة الصادرة من أجهزة، فقد الثقة في مصداقيتها، ويسعى إلى معرفة الحقائق المجردة، كما ستتجاهل من العالم الخارجي الذي سيتشكك في أسلوب التعامل مع الرجل، وحرمانه من الإعلان عن المصادر التي استقى منها معلوماته، ويشرح لنواب الأمة وللرأي العام الأسانيد التي اعتمدها؛ للتأكد من مصداقية الأرقام التي وردت في التقرير، ويرد على الملاحظات التي وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أدانته.

والأمر المؤكد، أن اقتناع أعضاء مجلس النواب، بضرورة الاستماع إلى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في جلسة علنية، في مواجهة أعضاء لجنة تقصي الحقائق، يدل على أن الدولة لن تتستر على الفساد والمفسدين، وفي الوقت نفسه، لن تتساهل مع المسئولين الذين ينشرون بيانات غير دقيقة، يستخدمها الأعداء للتشهير بالوطن.

استدعاء المستشار جنينة أمام نواب البرلمان، يعني حرص أعضاء المجلس على تحقيق العدالة والشفافية ومحاربة الفساد، ويثبت للرأي العام أن المجلس لا يدار من خارجه، كما يردد بعض نوابه، الذين لا يمكن وصمهم بأنهم من جماعة الإخوان.
الجريدة الرسمية