رئيس التحرير
عصام كامل

المادة 98.. ما لها وما عليها

إسلام البحيرى
إسلام البحيرى

جدل واسع مثار بين الأوساط المجتمعية والحقوقية حول المادة 98 المتعلقة بعقوبة ازدراء الأديان، ومواضع تطبيقها، وبخاصة مع حالة السيولة الفكرية التي تشهدها مصر منذ خمس سنوات عقب قيام ثورة يناير، ولعل الباحث إسلام بحيرى، آخر من نالت منهم هذه المادة، وصدر في حقه حكم بالسجن عام كامل بتهمة ازدراء أئمة الإسلام والطعن فيهم بأسلوب متدن وردىء.


اختلف الحقوقيون والقانونيون حول هذه العقوبة، فطالب فريق منهم بإلغاء عقوبة ازدراء الأديان، وعلتهم في ذلك هي أن الأفكار يجب أن تناطح وتقابل بأفكار أخرى مبنية على الحجج والأسانيد ما دامت لا تتطرق إلى صحيح الدين من الكتاب والسنة، وفريق آخر يرى ضرورة بقائها درءًا للمفاسد، وحفاظًا على ثوابت الأديان دون المساس بها.

تنص المادة 98 والتي أضيفت إلى قانون العقوبات المصرى بموجب المادة رقم 29 لسنه 1982، والتي لم تُعدل منذ سنها في عام 1982م عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، " أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز الـ 5 سنوات، أو دفع غرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه مصرى ولا تتجاوز الألف جنيه مصري، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة، أو بأى وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية ".

من جانبه قال المحامى حافظ أبوسعدة عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان: ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أنه مع بقاء هذه العقوبة إلا أنها تحتاج إلى تعديل، خاصة أن الظروف السياسية التي سُنت هذه المادة فيها، تختلف عن الظرف الراهن، لافتًا أن المادة جاءت عقب اغتيال الرئيس الراحل محمد أنو السادات، وكانت نقاشات مجلس الشعب آنذاك حول ضرورة وجود المادة 98 وتهدف إلى مواجهة الفتاوى المتشددة والتطرفة بقتل الأفراد وتكفيرهم.

وأضاف " أبو سعدة " إن عقوبة ازدراء الأديان الآن تطبق على من لا يستحقون العقوبة، وتترك من شرعت المادة لأجلهم، مشيرًا إلى أن التهمة الآن تلتصق بكل من يسعى إلى تفسير حديث بعينه أو ينادى بضرورة تجديد الخطاب الدينى يلقى به حيث في السجن، ولكن الأصوليين من أصحاب الفكر المتشدد والفتاوى غير المنطقية متاح لهم أن يروجوا لأفكارهم دون أي منع أو مصادرة أو تحقيق بدليل الفتاوي السلفية الغريبة.

وشدد عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان على ضرورة تدخل المشرع للعمل على ضبط صياغة المادة، لتصبح العقوبة مقتصرة على من يعتدون على دين بعينه أو ازدراء أشخاص، بحيث تكون مادة خاصة لمكافحة الكراهية للأشخاص أو للأديان، وإطلاق فتاوى شاذة، أو تكفير فريق بعينه داخل المجتمع لمجرد أن يختلف معه.

وأكد " عضو المجلس " أن حرية الاعتقاد في العمل الدينى مطلقة وفقًا للأحكام الدستورية، وبالتالى بات نص هذه المادة على هذا النحو نصًا غير دستوري، مشددًا على ضرورة ضبط نص المادة بالطريقة التي لا تستطيع السلطات أو النيابات استخدامها بطريقة خاطئة ضد الأفراد سواء بإلقاء القبض أو بالإحالة.
وطالب " أبو سعدة " المشرع المصرى بضرورة إلغاء التشريع القديم المتعلق بازدراء الأديان، ووضع نصوص تشريع جديد منضبط، يحدد تعريف الازدراء وطبيعته، وعلاقة ذلك المادة الدستورية المتعلقة بحرية الإعتقاد المطلق، حتى لا يتضرر الأفراد جراء هذه المادة غير الدستورية.

وقال الحقوقى " سعيد عبد الحافظ " رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، " أن الأفكار دائمًا تقابلها الأفكار فيما بينها ويعمل أصحابها على تنقيحها وتنقيتها، وهذا الحل الأمثل في خلق نوع من التعددية الفكرية الحقيقية، وليس معاقبة تجريم صاحب الفكر المختلف، مشيرًا إلى القضية الأخيرة الخاصة بإسلام بحيرى الذي صدر في حقه حكم يقضى بالسجن بتهمة ازدراء الأيادن، فعلى الرغم من أن الباحث تجاوز في انتقاده ونال من أشخاص بشكل فج، ولكن أتمنى ممن يقع على عاتقه تجديد الخطاب الدينى، وتصحيح المفاهيم الإسلامية، ألا يكون «فظًا» في انتقاده أفكار الآخر.
وشدد " عبد الحافظ " على ضرورة إلغاء عقوبة ازدراء الاديان، مطالبًا الدولة بوضع إطار تشريعى يتسم بالمرونة وليس بالجمود يتصدى لأصحاب الأفكار المتشددة وقوى الظلام، وليس المجددون ممن يمتلكون رؤى علمية ومنطقية للإصلاح دون التحريج أو التشكيك على حد وصفه في ثوابت الأديان السماوية.

وقال حجاج نايل، رئيس مجلس إدارة البرنامج العربى لنشطاء حقوق الإنسان، أن الدعوات المتتالية من قبل بعض المفكرين والحقوقيين للمطالبة بإلغاء عقوبة ازدراء الأديان، انطلاقًا من الحق في حرية الاعتقاد، وحرية الرأى والتعبير.. لا تتحقق بتغيير القوانين أو سن تشريعات، لأن الحل يكمن في وعى ثقافى ومجتمعى يكون من خلال برامج توعوية يعطى فيها منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية والمؤسسات الثقافية، والإعلام، الحرية في تنفيذها وتفعيلها على الأرض، ولكن لم يأتى التغيير أبدًا من خلال طرح الأمني لتنقية الأفكار وفرزها.
وذكر نايل:"مثل هذه الدعوات تتحقق بإطلاق الحريات وصون الحقوق، وتتنوع مصادر التعبير، لا بالقانون أو بالخطط الأمنية التقليدية الجامدة".

فيما أكد الدكتور " أحمد مهران " رئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أنه مع بقاء المادة الخاصة بعقوبة ازدراء الأديان ضمن قانون العقوبات المصرية،لأنها تعتبر أحد الوسائل التي تستخدمها دولة القانون في حجب المفاسد التي ممكن تؤدى إلى خلق الفتن بين أبناء الوطن الواحد.
وأضاف أنه يؤيد النصوص القانونية التي تجرم هذا السلوك حفاظًا على الأمن القومى المصري، والعلاقات الاجتماعية المتوارثة بين الإجيال بين أفراد الشعب المصري.
واستنكر " مهران " دعوات بعض الحقوقيين والمفكرين الذين يطالبون بإلغاء العقوبة، مؤكدًا أن إلغاء عقوبة ازدراء الأديان، ستجعل الأديان السماوية " في مهب الريح "، وتعطى فرصة للمشعوذين والباحثين عن الشهرة أن يفتئتوا على دين الله في الأرض بالباطل، بصورة من شأنها زرع الفتنة والانقسام بين الشعب، والذي ينتج عنه بطبيعة الحال انهيار الوطن.
الجريدة الرسمية