خُطَبُ الزعماء.. كوميديا ومطبات مذهلة!
كثير ما شاهدنا الرجل الأول في الدولة، ملكًا كان، أو رئيسًا أو أميرًا أو إمبراطورًا.. عندما يُنَحِّي أوراق الخطاب المعد له جانبًا، ويشرع في الارتجال بلغة بسيطة.. حينئذ تشعر بأنه مس شغاف قلبك وتتخللك بنعومة وانسيابية.. بعيدًا عن الخطاب الثلجي أو الشمعي الذي لا يحرك مشاعرك بل ربما تكتشف أنك سمعته أكثر من مرة في أكثر من مناسبة بنفس المفردات والشعارات الإنشائية، رغم اختلاف المناسبات وسياقاتها!
الحديث بتلقائية يعني أن الرئيس أو الملك وصل إلى أقرب نقطة تماس مع الناس، ويبدو كما لو كان يتجاذب معهم أطراف الحديث على المصطبة أو المقهى، لذلك ينسلخ من ثوب المسئول ويبتعد عن مسار التَّكَلُّف الذي يجتهد لتصديره عند إلقاء الخطاب الرسمي.
عندما يلجأ للعامية بعفوية فهو لا يرفع الحرج فقط، وإنما يرفع المنصوب وينصب المجرور ويجر الفاعل ويمرمط المفعول.. المهم أن تصل الفكرة.. بيد أنه في بعض الأحيان، يلجأ لمفردات تبدو كما لو كانت من كوكب آخر.. ولا تجد مرادفها في اللغات الأجنبية التي يستخدمها مراسلو وكالات الأنباء العالمية، التي تحتاج ترجمة فورية في أقل من ثانية.
الرئيس السيسي استخدم مفردتي "نعافر" و"نهابر" في سياق كلامه، عن حث الشعب على الجَلَد والصبر وبذل الجهد.. هي كلمة نعيها نحن المصريون جيدًا، ونشعر بطعمها ووقعها على آذاننا ومشاعرنا.. بيد أن المراسل الأجنبي غير المصري، قد يغرق في حيرة "فشر حيرة المطَّاهر ليلة دخلته".. وربما ينهار تقريره الصحفي المترجم وقد يواجه قطع عيشه.
والواقع أن أخطاء الزعماء واستخدام المفردات الغريبة والمحيرة، بصمة تاريخية على مر العصور.. دعوني أعرض نماذج سريعة من التاريخ القريب:-
الإمام الخميني زعيم الثورة الإيرانية، أوقع جميع وكالات الأنباء العالمية بما فيها العربية، في مأزق رهيب.. قال وهو يتحدث عن الخونة والعملاء، متوعدًا من يضبط منهم في موضع خيانة الثورة بقوله (سَنَسِمُهُ على الخُرطوم).. أذكر وقتها أن جميع وكالات الأنباء وقعت في حيص بيص؛ بحثًا عن ترجمة للجملة، التي تبين أنها من مفردات الخطاب القرآني وهي الآية 16 من سورة القلم، وقيل ضمن تفسيرها إن معناها سنَكْوِيه على أنفه بما يترك عليه علامة.. وحتى بعد أن توصلوا إلى ترجمتها عاشوا في دهشة من عقوبة كهذه، لم يسمعوا عنها حتى في تطبيق الحدود المعروفة في الإسلام.
الأمثلة كثيرة لمطبات الرؤساء والملوك والمسئولين، وكلها مثيرة للضحك.. عبد الناصر مثلا عندما هاجم رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدِن، إبان العدوان الثلاثي على مصر، قال "أنا مش خِرِع زي إيدِن، أنا بنام واخري وأصحى بدري".. طبعًا واضح أن المترجمين أصابهم الحَوَل من مفردتي "خِرِع" و"واخْرِي".
ولماذا نذهب بعيدًا عند الخميني وعبد الناصر، وبين أيدينا أقوال قريبة لها العجب.. خذ عندك بعض مأثورات الرئيس الليبي الراحل الأخ العقيد الفقيد معمر القذافي، الذي قال: "سأظل في بلدي إلى أن أموت أو يوافيني الأجل".. وهو القائل: "لولا الكهرباء لشاهدنا التلفاز في الظلام".. وهو القائل: "للمرأة حق الترشيح ذكرا كانت أو أنثى".
أما أحدَث نسخة من مطبات المسئولين فهي المسجلة حصريا باسم المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، الذي ردد مأثورة شهيرة ومعروفة للبابا شنودة تقول: "مصر ليست وطنًا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا".. أما محلب لا فُضَّ فوه، فقد قال بكل ثبات وثقة: "مصر ليست وطنًا نعيش فيه بل وطن نعيش فيه".. ولا حول ولا قوة إلا بالله.