ضريبة الغربة!!
حضرت إلى الدوحة في 20 سبتمبر عام 2007 وتوفي والدي في 30 أكتوبر أي بعد 40 يومًا فقط من بداية رحلة العمل في الخارج.. ومع مرور الأيام والسنين تفقد أشخاص تحبهم.. وتتعدد الأسباب والموت واحد.
وخلال الـ 100 يوم السابق رحل عن حياتي اثنان من الشباب في بلدتي المراغة كانت لهما محبة في قلبي لأنني كنت أشعر بحبهما الكبير والصادق لشخصي.. لن أقول أن الاثنين من أقاربي فقط ولن أقول إن والديهما أو أخواتهما من المقربين إلى قلبي ولكن الأهم من ذلك هو المودة والحب الذي كان بيننا.. الأول هو ( باسم أحمد قدارة ) الذي توفي من 100 يوم تقريبًا في حادثة.. خريج كلية حقوق.. هو باسم وكان مبتسمًا دائمًا.. كانت صدمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. والثاني هو هشام محمد قدارة ابن عم باسم.. صدمة جديدة.. ما زال يتعلم ويدرس.. كنت أشاهد الرجولة في دمه.. عانى كثيرًا وجعلنا نعاني معه كثيرا.
وما بين وفاة والدي ووفاة باسم وهشام توفي الكثيرون ممن هم قريبون إلى قلبي في بلدتي بصعيد مصر.. فرصيد غربتي حتى الآن قد تكون ممتلئة بالأحزان على عكس ما يعتقد الكثيرون.
ومع كل صدمة أتظاهر بالنسيان ولكن لا أنسى.. وأتسلح بالدعاء والرحمة.. وأتظاهر بالتماسك رغم أن ما بداخلي هش.. وأتردد في تقديم العزاء لأنني أعزي نفسي وأتقبل العزاء.
غربتي وأنا الذي اخترتها تحرمني من الكثير والكثي.. ولا أحد يشعر بهذا الحرمان إلا من جربه.. فقليلون ينظرون إليك بهذا المعنى المحترم وكثيرون وهم مرضى نفسيون ينظرون لك نظرة مادية بحته لا عواطف أو مشاعر فيها.
ضريبة الغربة لا يدركها إلا من عاشها.. وفقدان الأحبة وعدم رؤيتهم حتى في مماتهم هي الأكثر قسوة وآلم.. ستمر الأيام لا محالة.. وسنفقد المزيد دون شك.. وقد يكون المفقود أنا أو أخًا أو صديقًا أو قريبًا أو حبيبًا.. فنحن مسيرون ولسنا مخيرين.. والعبرة في النهاية لمن يتعظ ويتذكر بأن الدوام لله وحده ولا باقي إلا وجهه الكريم ونحن ضيوف في هذه الدنيا، وسيأتي يوم كل واحد وفقًا لما هو مكتوب.. فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا.. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا..