رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. الإهمال يعبث بمبنى قيادة ثورة 23 يوليو.. فاروق حسني ضمه إلى الآثار الإسلامية ليتم تحويله إلى متحف.. و«الآثار» كلفت «المقاولون العرب» بترميمه في 2003 و2009 و«ضعف الت

فيتو

منذ 7 سنوات بدأت وزارة الآثار في ترميم مبنى قيادة ثورة 23 يوليو الكائن بمنطقة الجزيرة بحى الزمالك في محافظة الجيزة، استعدادًا لتحويله إلى متحف يحفظ جزءًا مهمًا من تاريخ مصر الحديث، إلا أن أيدى الإهمال عبثت بهذا المبنى العريق.


وتكشف «فيتو»، في السطور التالية، حقيقة الإهمال الذي لحق بمبنى قيادة ثورة الـ23 من يوليو، على أيدى عمال شركة المقاولون العرب الشركة المنوط بها إنهاء أعمال الترميم به، والتي توقفت نظرًا لعدم وجود اعتمادات مالية كافية وبدلًا من أن يحافظ العمال على هذا المبنى المهم حولوه إلى جراج للسيارات وعبثوا بمقتنايته.

بداية القصة

في عام 1949، أمر الملك فاروق بتشييد مبنى‏ ‏مرسى لليخوت الملكية، بمنطقة الجزيرة في محافظة الجيزة، بحجة أنه يريد أن يتنزه هو وعائلته داخل هذا المكان، ثم وجه عددا محدودا من المقربين منه بحفر 4 سراديب، أسفل هذا المبنى حتى يتسنى له الهروب في حيال نجاح ثورة 23 يوليو، والتي كان يعلم بتحركاتها من تقارير الأمن التي ترفع إليه وترصد تحركات الضباط الأحرار.

ويبلغ طول السرداب الواحد 10 أمتار، وعرضه 3 أمتار، وبداخل كل سرداب 3 غرف سرية، وبلغت نفقات بناء المبنى كاملًا 118 ألف جنيه، ولم يخطر بذهن الملك فاروق، أن المبنى الذي شيده ليحميه من فتك الضباط الأحرار به سيصبح هو ذاته مقرًا لقيادة الثورة.

ولأن نزوات الملك فاروق، كانت كثيرة فقد كان يحرص دائمًا في كل مناسبة يظهر بها ومكان يزوره على التأكيد أنه حاكم مؤمن، لذلك أنشا في هذا المبنى «زاوية» لأداء شعائر الصلاة، وخصص لها إمامًا وواعظًا لإلقاء الدروس الدينية على مسامعه هو وحاشيته أثناء تواجده هناك.

ويوجد حتى الآن بداخل زاوية الصلاة التي أقامها «فاروق» المقعد الأصلى الذي كان يجلس عليه الإمام أثناء وعظه لملك مصر، ومازال يحتفظ بمعالمه والكتابات المنقوشة عليه، رغم الإهمال الذي يُعانى منه واستمرار إلقائه على الأرض.

مقتنيات أثرية
وفى الـ23 من يوليو اندلعت أحداث ثورة الضباط الأحرار، وما إن نجحت حتى حولوا هذا المرسى إلى مقر لمجلس قيادة الثورة، بعد مغادرة الملك فاروق البلاد وإجباره على التنازل عن العرش لولي عهده الأمير فؤاد، لذا فقد احتوى هذا المبنى المهمل تمامًا على بعض المقتنيات الأثرية التي كان يستخدمها الضباط الأحرار، يبلغ عددها 11 ألفًا و886 قطعة، من أهمها الميكروفون الذي أذاع منه الرئيس محمد أنور السادات بيان الثورة، وأول علم رفع على أرض سيناء بعد العبور، والعديد من صور الرئيس جمال عبدالناصر مع زعماء العالم، وصور للرئيس السادات، ومجموعة من التماثيل النصفية للزعيمين عبدالناصر والسادات، ومجموعة من الهدايا المقدمة للأخير في مناسبات مختلفة.

كما احتوى المبنى على ثلاجة كانت تستخدم لحفظ الأطعمة والمشروبات، وتحولت هذه الثلاجة في الوقت الحالى إلى دولاب لتخزين ملابس العمال المتواجدين بجوار المبنى، ويوجد في هذا المقر غرفة خربة، لم يعد فيها سوى أعمدتها الخرسانية، وهذه الحجرة كانت مقرًا لاجتماعات الضباط الأحرار بعد تنازل الملك فاروق عن منصبه، قبل أن ينتهي العهد الملكي وتعلن مصر جمهورية اشتراكية.

قرارات مصيرية

وبداخل هذه الغرفة أيضًا، اتخذ الرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، عددًا من القرارات التي حددت مصير البلاد فيما بعد، إلا أن الإهمال طالها أيضًا ليحولها عمال الشركة المكلفة بترميم المبنى إلى مخزن لـ«مواسير التهوية».

كما يحتوى المبنى أيضًا على سلالم خرسانية تؤدى إلى الأسفل اتخذ منها الضباط الأحرار مقرًا لعقد جلسات المحاكمات العسكرية التي كانت يحاكم فيها من أطلق عليهم في ذلك الوقت أعداء الثورة.

ومن أهم المحاكمات التي أجريت فيها محاكمة قيادات جماعة الإخوان الإرهابية بتهمة محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في القضية المعروفة بـ«أحداث المنشية»، ومحاكمة أنصار المشير عبد الحكيم عامر بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، كما اتخذ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هذا المبنى مقرا له بعد التأميم والعدوان الثلاثي، وانطلقت منه جنازته عام 1970 إلى مثواه الأخير.

أعمال الترميم

ولأن هذا المبنى شاهد على حقبة زمنية مهمة من تاريخ مصر، فقد كلفت وزارة الآثار شركة المقاولون العرب بإعادة ترميمه حتى يتم افتتاحه كواحد من أهم المتاحف المصرية، وبدأت أعمال الترميم عام 2003، ولكن الشركة تباطأت في الأعمال بحجة ضعف التمويل، حتى توقف العمل تمامًا، ثم أجريت مناقصة عام 2009 لتنفيذ المشروع مرة أخرى، وفازت بها أيضًا شركة المقاولون العرب، وقبل ثورة 25 يناير بأيام قرر وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى ضم هذا المبنى إلى الآثار الإسلامية، وتحويله إلى متحف، وهو ما أخضعه لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، ودخل ضمن المبانى المحظور بيعها أو إزالتها، مع ضرورة العمل بأقصى سرعة على ترميمه وصيانة حرمه.

وفى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي صدر قرار بجعل مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، متحفًا يؤرخ للثورات المصرية بدءًا من الحملة الفرنسية ومرورًا بالثورة العرابية وثورة 23 من يوليو، وانتهاء بثورة 25 يناير، إلا أن عمال الشركة بدلًا من القيام بعملهم المنوطين به على أكمل وجه حولوا المبنى إلى جراج سيارات على مسمع ومرأى من الجميع.

مبنى مسجل

ومن جانبه أكد الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن مبنى مجلس قيادة الثورة مسجل في عداد الآثار الإسلامية كمبنى فقط، مشيرًا إلى أن وزارة الآثار ملزمة بترميمه بشكل يتناسب مع طرازه المعماري المميز للحفاظ على أقدميته كما يتم التعامل مع أي أثر، مشددًا على أن الآثار لا دخل لها بمقتنياته الداخلية التي تُعد في الأساس من مسئولية وزارة الثقافة.

وأشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إلى أن الآثار لم تتسلم أي مقتنى من المقتنيات التي من المفترض أن يتضمنها مبنى المجلس مؤكدًا أنها مازالت بحوزة وزارة الثقافة، وأن مشروع الترميم قد تكلف 50 مليون جنيه وهو متوقف في الوقت الحالي لعدم توافر الاعتمادات المالية لدى وزارة الثقافة، نظرًا لاحتياجه إلى 80 مليون جنيه إضافية حتى يستكمل العمل به.

وأوضح «أمين»، أن المبنى كان مخططًا له أن يكون متحفًا لقيادات ثورة 23 يوليو، ثم أصدر فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، القرار رقم 422 بضم المبنى إلى المركز القومى للفنون التشكيلية، ليتولى إعداده كمتحف لزعماء الثورة.
الجريدة الرسمية