هشام جنينة: «اللي على راسه بطحة يحسس عليها»
علاقتي بالمستشار "هشام جنينة" رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، تعود لعدة أعوام مضت، عندما التقيته في السفارة المصرية بدولة الكويت؛ حيث كان في زيارة عمل، وكنت أنا أستخرج بدل فاقد لجواز سفري الذي فقدته داخل حقيبتى التي سُرقت في الحي المصري هناك.
ساعتها اصطدمت به أثناء دخولي، فقلت له "سوري يا مان".. فقال: ايه البلاوي إللي بتتحدف علينا دي ع الصبح.. وبدا عليه أنه كان غاضبا بعض الشيء، إلا أنني ركبني 100 عفريت وقلت له: بقى أنا بلاوي يا راجل يا....
وقبل أن أكمل عبارتي، وجدت يد القنصل المصرى على فمي وهو يقول لي "هدي أعصابك يا سطوطة هانم.. معلهش إللي ما يعرفك يجهلك”.. ثم استدار ناحية جنينة وقال له: جرى إيه يا سيادة المستشار دي “سطوطة هانم الفنجري” الكاتبة المعروفة.. فقال له جنينة: آآآآآآآآآآه الست الفشارة؟!
فقلت له: أيوه يا سيدى الفشارة.. تطلع مين أنت بقى؟!
فنظر إلى القنصل الذي رد بالنيابة عنه قائلا: دا سيادة المستشار هشام جنينة، رئيس محكمة استئناف القاهرة.
فقلت: وماله بقى شايف نفسه كده.. أمال لو كان نائب مأمور مركز “روض الفرج” كان هيعمل فينا إيه بقى؟!
وهنا ضحك جنينة، وقال: عموما ماتزعليش منى يا ست سطوطة، علشان أنا كنت متنرفز حبتين، وكدا كدا مش هخلص منك، فأنا أتابع كتاباتك وأعلم جيدا أنك لن تنهى الموضوع ببساطة.. فهل تقبلين عزومتى على فنجان من القهوة؟!
قلت: طب يعنى أنت هتعزمنى في الدوار بتاعكم مثلا؟!.. دا أنت هنا في سفارة مصر ولى فيها مثلك تماما.
قال: لكننى أنا صديق لسيادة السفير!
فقلت: وأنا كمان صديقة السفير وصديقة الرئيس مبارك كمان!
وهنا تدخل السفير المصري، الذي كان يراقب حوارنا من بعيد، وقال: كلاكما معزوم عندي.. تعالوا إلى مكتبى لنشرب قهوتنا جميعا على حساب مصر أم الدنيا.
شربنا القهوة وسط جو من الفكاهة، وبدا لى الرجل الأكثر جدية صاحب الوظيفة الأكثر حساسية كأنه في رحلة مدرسية، ونسى غضبه وعدنا معا إلى مصر في نفس الطائرة، ولم نلتقِ ثانية إلا عقب ثورة 25 يناير، وكان قد أصبح رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات بقرار من الرئيس المعزول محمد مرسي، وكنت أنا أنتظر تحويلا ماليا من صديقى “أوباما حسين” رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن باع قيراطى أرض كان قد اشتراهما من أجلي؛ لبناء فيلا على ترعة “المحمودية” بولاية “شيكاغو”؛، إلا أننى طلبت منه أن يبيعهما ويرسل لى ثمنهما، فقد قررت أن أبنى الفيلا هنا في مصر على ترعة “المريوطية” بجوار الهرم؛ لنلتقى بها عندما يأتى هو إلى مصر بعد انتهاء مدة رئاسته لأمريكا، إلا أن العاملين بالبنك الأهلي رفضوا صرف المبلغ لي؛ لأنه تعدى المليون دولار فقالوا لى “من أين لك هذا”، وحاولت إقناعهم بأن أوباما صديقي وقلت لكم اعتبروه ضارب معايا ورقة عُرفى.
كل هذا كى يفهموا معنى الصداقة على الطريقة الأمريكية، إلا أنهم وصفوا المبلغ بأنه دعم أجنبى للتمرد على حكم الإخوان المسلمين، وقال لى موظف الخزينة “شكلك كده أجندة خارجية يا ست أنتِ”.
في هذا الوقت تذكرت علاقتى بالمستشار جنينة، فاتصلت به وشرحت له الواقعة، فتفهم الأمر وأجرى اتصالا هاتفيا برئيس البنك الأهلي، وطلب منه أن يصرف لى التحويل المالى وأن يعاملنى معاملة تليق بي، الأمر الذي جعلنى أعاود الاتصال به وأشكره كثيرا، ثم لم أتحدث معه مرة أخرى حتى فوجئت به ليلة الجمعة الماضية يتصل بى تليفونيا، فرحبت به كثيرا ثم دعانى إلى فنجان قهوة بمكتبه، فقلت له: لا يا عم أنت مطلوب من مجلس الشعب، وأنا ست ماعنديش غير شرفى أحافظ عليه، لو عايزنى يبقى في الحلال لو سمحت.
ضاحكا قال: الله يجازيكِ مش هتتغيرى أبدا.. عموما هستناكى بعد العصر في مكتبي.
بالفعل كنت في مكتبه عقب صلاة عصر السبت الماضي، ومع فنجان القهوة دار بيننا هذا الحوار:-
قال لي: شفتى إللى بيحصل معايا يا سطوطة هانم في أم البلد دي؟!
قلت: شوفت يا أخويا شوفت.. لكن أنت إيه إللى خلاك تسكت على الفساد لغاية ما وصل لـ600 مليار جنيه؟!.. يعنى ماكنتش تقدر تعلن عنه بأنه 100 مليار مثلا؟!
قال: يعنى أنتِ مش عارفة أن البلد غرقانة في الفساد منذ عهد الفراعنة!
قلت: عارفة والنبى عارفة بس أنت كده مسكت السلك عريان يا سيادة المستشار وكهربت نفسك بنفسك.. حد قال لك تمسك السلك عريان؟!
قال: بالعكس دا أنا مسكت الحرامية.. فهيجوا عليا كل من هب ودب!
قلت: طب أنا أعرف إللى “هب” وقام بتشكيل لجنة تقصى حقائق أثبتت أن كلامك فشنك لا مؤاخذة، والبلد كلها ملائكة تمشى على الأرض.. لكن مين بقى إللى “دب”؟!
قال: إللى دب وبيخبط في الحلل عمال على بطال، هم هؤلاء الذين يخرجون على شاشات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.. وأخيرا أعضاء مجلس الشعب ممن يجمعون التوقيعات لمحاكمتي.
قلت: عايزين يعدموك من على وش الدنيا يا ضنايا!
قال: يا ست سطوطة “إللى على رأسه بطحة يحسس عليها”.
قلت: لكن قل لى يا مستشار.. هو أنت اشمعنى اخترت تأجيل الرد على من يشككون في ذمتك إلى ما بعد 25 يناير؟!
قال: حفاظا على الأمن العام.. فـأنا أخشى أن تقع أي أحداث خلال ذكرى يناير، فيقولون إن تصريحاتى هي السبب.. لذا أنا ألتزم الصمت حاليا!
قلت: وأنت جايبنى هنا ليه بقى يا مان؟!
قال: علشان أنتِ الوحيدة إللى مالكيش في التطبيل والإثارة يا ست سطوطة!
قلت: يا راجل عيب عليك.. بقى كل الإمكانيات إللى قدامك دى وتقول لى ماليش في الإثارة؟!.. طب اسأل عليا “عصام العريان” وهو هيقول لك!
قال: يا ستى أنا قصدى إثارة الناس وتهييجهم مش قصدى إللى أنتِ بتقولى عليه دا!
قلت: خدها منى نصيحة يا مستشار “عيش نملة تاكل سكر”!
قال: مش أنا إللى أعيش نملة أو أدفن رأسى في الرملة.. وليس أنا من يخشى شوية توقيعات من مجموعة أعضاء بالبرلمان.. الفساد معشش في البلد يا هانم والـ600 مليار رقم زهيد، وأنا أصر على أقوالى وسيفاجأ الجميع بعد 25 يناير!
قلت: ألا تخشى الإقالة من منصبك؟!
قال: لا مجلس الشعب ولا الإعلام ولا حتى الحكومة تستطيع إقالتي.. الوحيد الذي يستطيع فعلها هو الرئيس “السيسي”.. والرئيس يبحث عن الحقيقة؛ لأنه أول من يحارب الفساد في البلد.. هذا بالإضافة إلى أننى جاهز بالاستقالة منذ فترة!
قلت: ولماذا لم تُقبل استقالتك حتى ننتهى من هذا الصداع؟!
قال: مش عارف أقول لك إيه والله يا ست سطوطة.. لكننى أعدك بأن أجيب عن هذا السؤال بعد 25 يناير!
قلت: تااااااااااااااااااني!