رئيس التحرير
عصام كامل

صفقات أمريكا وإيران والحرب على مصر!


تتوارد الأخبار من كل مكان.. إيران تحتجز سفينة أمريكية عسكرية وتعتقل طاقمها، وبعدها صور الأسرى الأمريكان مقيدي الأيدي منبطحين في استسلام مذل على الأرض، وبعدها بساعات يتم الإعلان عن بدء رفع العقوبات عن إيران؛ تنفيذا للاتفاق النووي مع الدول الغربية، ثم تختتم أنباء إيران - الغرب بالإعلان المفاجئ عن تبادل "الأسرى" والمعتقلين بين إيران وأمريكا. 


ماذا يجرى إذن؟.. وكيف يمكن أن يتم هذا التفاهم إلى حد إنجاز اتفاقات تاريخية بين دولة تتهم أمريكا على الدوام بأنها الشيطان الأعظم، وهو المصطلح الذي صكه وأطلقه الإمام آية الله الخوميني الزعيم الإيراني الروحي الراحل.. بينما كل هذه الاتفاقات أجرتها أمريكا مع إيران، التي تصفها بأنها زعيمة محور الشر في العالم!

ونسأل من جديد: ماذا يجرى إذن؟.. وكيف يمكن لهذه القوى المتنافرة إلى حد التصارع، أن تتفاهم وتتحاور وتتجالس وتتفاوض وتنجز اتفاقيات مهمة ثم تتلوها باتفاقيات أخرى مهمة، ثم تبدأ في الالتزام بما وقعته ثم يزداد التفاهم إلى التعاون، في حين لا يعرف الإيرانيون مع عرب الخليج المنتمين إلى دين واحد ويعبدون ربا واحدا وكتابهم واحد ورسولهم واحد ويحجون إلى بيت واحد، ويصومون في شهر واحد ويتوجهون خمس مرات في اليوم إلى قبلة واحدة يؤدون صلاة واحدة ويعيشون في منطقة واحدة.. نقول إنه رغم كل ذلك حالهم كما نرى!

الآن أصبحت الصورة واضحة.. والأسئلة موجودة بعد الإجابات.. ومنها: لماذا تحارب أمريكا إيران إن كان يمكن أن يحاربها العرب؟.. لماذا يستمر الصراع العربي الإسرائيلي إن كان يمكن استبداله بحرب سنية شيعية؟.. كيف يمكن أن يتوقف بيع السلاح للعرب إن كان يمكن وضعهم في حالة حرب دائمة وتوجس دائم مع جارتهم الشيعية؟.. لماذا تغادر أمريكا المنطقة وهناك من يتوهم أنها يجب أن تبقى لتحميه؟.. وهكذا.

ولكل ما سبق وبين كل ما سبق تقدم مصر طرحها، ويتلخص في أنها تتعامل في سياساتها الخارجية بعيدا عن الاعتبارت الطائفية والمذهبية، كما أنه ووفق سامح شكري، فإنها لا يقلقها وجود انتماءات لمذاهب أخرى بيننا طالما ينتمون لوطنهم أولا، وليس لولاءات خارج الحدود، كما أن مصر التي طرحت فكرة الجيش العربي الواحد تؤكد في مبادرات عملية، الانتماء القومي العربي الذي يشمل بالضرورة ديانات ومذاهب وطوائف تؤمن كلها بالعروبة وبالقومية العربية وبوحدة الأمة العربية، وبالتالي فأقصى ما يمكن فهمه مصريا أن هناك صراعا قوميا في المنطقة، قائما بالضرورة بحكم التكوينات القديمة والطموحات الكبرى، وبحكم التاريخ والجغرافيا، وبما تقتضيه مصالح أصحابها حتى بين أبناء المذهب الواحد، فتركيا مثلا تنتمي للمذهب السني، والأكراد قومية مختلفة وينتمون أيضا للمذهب السني!..  لكن هذه الصراعات القومية في السياسة المصرية ليست مذهبية ولا طائفية، ولا ينبغي أن تكون!

مصر تقدم الطرح السليم الهادئ؛ لأنها تدرك أبعاد مخطط الفتنة كله، وتواجهه، ولكن مصر للأسف انشغلت بمشاكلها، وأُدخلت دوليا في صراع طويل مع التنظيم الدولي وداعميه الدوليين، كما أنها لا تجيد بناء المحاور ولا تسعى إليها، ويمتلك غيرها - للأسف - هذه القدرات والرغبات!

عند مصر الحل، ولكي يتم ذلك فيجب أن تقود مصر السياسة العربية، ولكن كيف ذلك في ظل مشكلاتها وقدراتها الحالية؟.. كيف يتم ذلك ومصر تتعرض لحرب مركبة عسكريا وسياسيا؟.. الإجابة في مقال قادم.
الجريدة الرسمية