مختار محمود يكتب: الدولة غير الموازية!
عندما يحصل المواطن البسيط على الخدمة التي يريدها من الجهة الحكومية، بسهولة ويسر، دون إجباره على دفع إكرامية أو رشوة، وعندما يجد النوابغ من أبناء الفقراء، طريقهم إلى الحصول على فرص العمل التي يستحقونها، وعندما ينتهى زمن توريث الوظائف في المؤسسات الحكومية، وعندما لا يكون الالتحاق بالسلك القضائى أو الدبلوماسى حكرا على فئة دون غيرها من "الأسياد وكبار القوم"، وعندما تكون العدالة في بلادنا ناجزة، ولا تستغرق القضية العادية سنوات لحسمها، وعندما يسترد التعليم الحكومى كرامته.
وتتخلص المدارس والجامعات الرسمية من جميع صور الفوضى والبلطجة التي تسودها، وتخرج للمجتمع أجيالا تجيد القراءة والكتابة والتفكير، وعندما يتعافى القطاع الطبى الرسمى، من أمراضه المتوطنة، وأدرانه المزمنة، وعندما يجد المريض المعدم، من يحنو عليه، ويقدم له العلاج والدواء، دون ابتزاز أو استفزاز، وعندما يتعاظم دور المستشفيات الحكومية والجامعية، ويضطلع القائمون عليها بأدوارهم الإنسانية، وبرسالتهم النبيلة، وعندما لا يغدو الأطباء مرتزقة وباحثين عن المال، من حلّ ومن حرم، وعندما تستعيد الحكومة سيطرتها على سوق الأدوية، فلا تتركه للباعة الجائلين الذين ينتحلون صفة "أطباء وصيادلة".
وعندما تصبح صحة عموم المصريين، قضية أمن قومى، لا فرق بين غنى وفقير، أو عالم و"عالمة"! وعندما تتخلص وزارة الثقافة من جهلها، وقصور الثقافة من قصورها، وعندما يتخلى المثقفون عن "فكر الشللية والتدليس"، وعندما لا يكون الدين ساحة مستباحة، لكل غاد ورائح، يفتى فيه بما يملي عليه شيطانه، وعندما تحكم الدولة سيطرتها على صناعة السينما والدراما والإعلام، فتخلو الشاشات الكبيرة والصغيرة، من البضائع الراكدة والبذيئة والدنيئة، التي تضر ولا تنفع، وتهدم ولا تبنى، وعندما يتعاظم دور الدولة أمام حيتان وأباطرة الاقتصاد غير الرسمى، وتتمكن من بسط سيطرتها عليه، وضبطه وفق ضوابط ومعايير تحقق الخير لجميع الأطراف، وليس لفئة قليلة، لا يشغلها سوى تكوين ثروات لا تنفد، على حساب أمن وصحة وراحة العامة من الشعب، وعندما تستعيد الدبلوماسية الرسمية ريادتها وقوتها، فلا تحتاج إلى الاستعانة بـ"صديق"، وعندما تتراجع فوضى النقابات المستقلة، التي باتت ذراعا قويا للفوضى وإثارة الفتن وتصدير الأزمات.
حينئذ لن يكون من حق أحد أن يتحدث عن "الدولة الموازية"، وسوف نكون نحن أول المعتذرين عن تقديم هذا الملف، الذي يكشف عورات، تحتاج إلى من يسترها، وليس من يتستر عليها، أو يغض الطرف عنها، أو يتجاهلها، ويكمل طريقه إلى المجهول.