رئيس التحرير
عصام كامل

تقرير جنينة.. المضروب؟


لو القصة كدة، يبقى الإطاحة بالمستشار هشام جنينة أصبحت واجبا شرعيا، وفريضة وطنية.. لو المستشار جنينة بدأ في التلفيق، والتهييج، والكلام في الفاضي، وإثارة البلبلة، وخلط الأوراق، وتزييف الأرقام، وتوزيع اتهامات مبالغ فيها عن فساد الدولة، وفساد المسئولين.. فبقاؤه في منصبه أصبح خطرا كبيرا.


لم يقل أحد إن الشفافية قتلتنا في مصر، وإن مؤسساتنا تشرب النزاهة، صباحا يوميا على غيار الريق، وإن مصالحنا الحكومية استطاعت الفترة الماضية كنس الفساد، ولملمته وإلقاءه في محارق مخلفات آدمية، وإننا أصبحنا مائة فل وأربعتاشر.. لكن الفارق كبير بين جهود محاربة الفساد، وبين الفساد بالتصريحات المفبركة، وإثارة الرأي العام بالمعلومات الملفقة، ومحاولة كسب بُنطات شخصية، واستمراء الضحك على عقول مازالت تشمشم على أخبار الفساد، وتعتبر كل جملة مقرونة بكلمة "فاسد" جملة صحيحة حتما.

تفاصيل تقرير لجنة فحص ادعاءات هشام جنينة عن الـ600 مليون جنيه خطيرة.. التقرير قال إن رئيس المركزي للمحاسبات لفق وزور، وزيف الحقائق، ووضع أرقاما من عنده، واستخدم حسابات قديمة، ولعب في الأرقام الجديدة، وتغاضى عن إجراءات حدثت، وشكك في إجراءات لم تحدث بعد.. كل هذا لإخراج تقرير، عن مليارات مهدرة، وفساد للركب قال إن الدولة تغض الطرف عنها.

لو كان كلام هشام جنينة صحيحا، كانت مصيبة، لكن المصيبة الآن، هي بقاؤه في منصبه.

ليس هشام جنينة وحده، عندنا في الهيئات والمصالح الحكومية، وفي بعض الوزارات ألوف من هشام جنينة.. ما الذي يدعمهم في مناصبهم حتى الآن؟، من الذي يدعم هذا التواجد، أو البلبلة التي يثيرها تواجد موظفين عموميين، مفترض فيهم الرقابة والشفافية لا تفصيل التقارير على المقاس؛ دعما لوجهة نظر معارضة، وتمحكا في الرأي العام!

ممَ يستمد المستشار جنينة قوته؟.. هل وجوده على رأس جهاز من أكبر أجهزة الرقابة في الدولة أصبح واجبا، ومفروضا، بحكم تصديره نفسه كمعارض للسيسي، ودرءا للحديث عن تصفية الدولة للمعارضين؟

هل التخوفات قائمة باعتبار إزاحته عن رئاسة المركزي للمحاسبات، قد تفتح أبواب كلام ابن عم حديث عن تدخل النظام في أعمال الهيئات المستقلة، فيخرج على فيس بوك ألف ناشط يقول لك السيسي فاشٍ، وتتداول مواقع الإخوان، قصة معركة خسر فيها الصالح جنينة لصالح الفساد في مصر؟

إن كان كذلك.. فالحسبة خطأ، والنتيجة مش ولابد.. لو كان جنينة استطاع فترة ما كسب بعض التأييد بحجة مواجهة السلطة التنفيذية، وانطلاقا من حرية الأجهزة الرقابية في الهيمنة والرقابة، بلا سقف، ولا مدى.. فالتقرير الأخير رفع الغطاء الشرعي عنه، ورتب مقتضيات وإجراءات، مفترض على أساسها إعادة النظر في استمراره في منصبه.

إذا كان كلام جنينة عن الـ600 مليار مضروبا، وملفقا، وقصا ولصقا.. فمن يدرينا أن التقارير المقبلة شفافة، وأن الأرقام الصادرة عن الجهاز طوال عهد جنينة، لا فيها لعب.. ولا فيها توليف وتركيب، وقص ولصق هي الأخرى؟

كيف لا تفقد ضجة بحجم التي أحدثتها لجنة التحقيق، رئيس المركزي للمحاسبات اعتباره، ولا تفتح الأبواب فورا؛ لإعادة النظر في استمراره في موقعه بالقانون، وعلى عينك يا تاجر؟

لماذا يستمر جنينة للآن؟.. وإلى متى يظل؟

لجنة الفحص قالت بصراحة، إن تقرير المركزي للمحاسبات عن مهدرات الفساد كاذب، وإن الكلام الذي قاله جنينة عن التقرير كذب، وإن الفريق الذي استعان به جنينة لكتابة التقارير كلهم كاذبون، فلماذا يبقى كاذبون في مواقع يحاربون منها الفساد، ثم يفسدون.. وفي النهاية يقول لك: بيننا وبين النظام خلافات سياسية؟
الجريدة الرسمية