«الحرام».. وجحيم السلطة المطلقة!
رغم أن الأفراد تاريخيًا هم من أسسوا الدول والمجتمعات، من خلال قيامهم "طواعية" باستقطاع أجزاءً من حرياتهم المطلقة، وتجميعها في معون واحد اسمه "السلطة".. ومنحوها لشخصٍ واحد أسموه "الحاكم".. بيد أن العلاقة بين الفرد والحاكم، ومساحة السلطة التي يملكها، كانت ولا تزال هي محور النقاشات والخلافات أيضا بين المعنيين بالسياسة وكتابة الدساتير في العالم.. وباتت السلطة التي منحتها الشعوب للحكام بقصد تحقيق الأمن وحماية حق الإنسان في البقاء على قيد الحياة، سيفًا مسلطًا على رقاب المواطنين، ومصدرًا مهما لغياب الإحساس بالأمان!
ونظرا لكون "السلطة" ليست ميزة "عرضية" يكتسبها الإنسان في لحظة، ويمكنه التخلي عنها في لحظة أخرى.. وأنها غريزة متجذرة في الذات البشرية، قد يدفع الإنسان عُمرَه من أجل الوصول إليها أو الاحتفاظ بها.. فقد بات "تكميم الأفواه" هو الوسيلة المثلى للاستمتاع بها.. أو أن يجعل الشعب لنفسه أذنين، إحداهما من "طين" والأخرى من "عجين"!
وربما كانت تلك السلطات "المقتطعة" مصدرا مهمًا لتهديد حق الشعوب في البقاء على قيد الحياة.. ولعل هذا هو ما دفع بعض المثقفين إلى الحديث عن "إجرام الدولة" أو إجرام السلطات العمومية.. وتُعد أحداث "سوريا" نموذجا لمعاناة الشعب من جحيم السلطات المطلقة، فحينما اختلف الشعب مع النظام الذي انتخبه وطالبه بالرحيل، أعطى النظام لنفسه الحق في حرمان المواطنين من "العيش الآمن" أو حتى من حق البقاء على قيد الحياة.. وكأن الحاكم في بلداننا العربية.. قد تزوج الشعب زواجا "أبديا" لا طلاق فيه.. ولا فكاك منه إلا بالموت!
ورغم أن الحاكم غالبا ما يخرج من سلة الشعب متشبعا من ثقافته.. إلا أنه غالبا ما يكون فهم الدولة للدين مغايرًا تمامًا لفهم الشعب.. ومن ثم يصبح الخلاف على الحلال والحرام هو موضع النقاش الدائم.. الذي يدفع الشعب دائما إلى الثورة على النظام لإسقاطه، والإتيان بنظام جديد، يتبنى مفاهيمه عن الحلال والحرام.. وفي كل مرة يصاب الشعب بخيبة الأمل؛ لأنه يرفض الاقتناع بأن السياسة لا دين لها.. وأن الحرام والحلال لدى كل الأنظمة واحد.. فالحلال لدى بعض الأنظمة الحاكمة هو ما يكرس بقاءها في السلطة.. وفي أحسنها هو ما يحقق صالح المجتمع.. وإن خالف صحيح الدين!
فعندما تشعر الدول بخطر يهدد بقاءها أو مصالح الشعب الذي تحكمه، قد تتخذ تدابير منافية في كثير من الأحيان لفكرة الحرام والحلال الثابتة في عقيدة الشعب؛ من أجل مواجهة ذلك الخطر.. وتخضع تلك التدابير دائما لمساحة السلطات التي تتمتع بها تلك الأنظمة.. وكلما اتجهت تلك السلطات إلى الإطلاق، كلما كانت تلك التدابير تميل إلى القسوة.. لدرجة أن يصبح النظام فيها "وصيا" على شعبه لا يفرق كثيرا بينه وبين سائر الكائنات!
فمثلًا.. عندما امتلك الإنسان السلطة المطلقة على الحيوان، أعطى لنفسه الحق في تعقييم أو "خصي" الحمير للاحتفاظ بقوتها.. كما أعطى لنفسه الحق في خصي "الماعز" لزيادة لحومها.. وعندما امتلكت الأنظمة الحاكمة السلطة المطلقة على شعوبها قامت بتعقييم الشعوب.. فلا ينسى التاريخ عمليات تعقيم الرجال عن طريق "الكي" بالظهر، التي مارسها الإنجليز ضد عمال السخرة.. ولا ينسى قرارات الخديو إسماعيل التي حرمت الجنود من الزواج أو معاشرة زوجاتهم، ما تسبب في إصابة الجنود بمرض "السيلان" الذي حصد أرواح مئات من الجنود!
ولما كان دين السلطة يختلف عن دين الشعب.. فلم تختلف إيران الإسلامية عن الهند الهندوسية.. فكلاهما أصدر قرارًا بـ"تعقيم الرجال" كوسيلة للحد من الزيادة السكانية.. ولم يتمكن حكم الإخوان المسلمين في تونس من إلغاء قرار يمنع تعدد الزوجات!.. ولم تكن أوربا بعيدة عن هذا الخيار.. فنظرا لعدم قدرة الأنظمة الحاكمة على فرض قراراتها.. فقد سلكت طريقًا آخر؛ إذ أنها رصدت مكافأة قدرها 25 دولارا وسيارة، للرجل الذي يقبل "التعقيم"!
أما في مصر، فما زالت مقولة "أحمد نظيف" بأنه لم يعد أمام حكومته للحد من الزيادة السكانية، سوى الذهاب إلى المواطنين في "غرف النوم"، تتردد في أذني!
فحُرمة القتل في الدين لم تمنع "محمد علي" من قيامه بمذبحة المماليك.. ولم تمنع الظاهر "بيبرس" من قتل الملك المظفر قاهر التتار سيف الدين "قطز".. والغريب أن الشعب في الأولى شارك "محمد علي" في بناء مصر الحديثة.. وفي الثانية عمل ملحمة شعبية للأمير الخائن "بيبرس"!
ومن هنا فعلى الشعوب أن تعي جيدًا أن للسلطة "دينًا" تحكمه مصلحة عليا، قد تعجز هي عن إدراكها.. وأن معظم الحكام إن لم يكن جميعهم، يرون أنه كلما اتسعت سلطات الحاكم، كلما تمكن من تحقيق مصالح الشعب.. وكلما زادت مشاركة المواطنين في الحكم، كلما كانت معوقًا لقدراته في إدارة البلاد.. ومن ثم فقد لجأت تلك الأنظمة إلى تغيير الدساتير؛ لتوسيع صلاحيات حكامها.. وتزوير الانتخابات لتوسيع سلطاتهم.
وتنعكس تلك السلطات المطلقة دائما في طبيعة الجهاز الأمني، الذي ارتبط منذ نشأته بالنظام الحاكم، وباتت صلاحياته مؤشرًا على امتلاك الأنظمة الحاكمة للسلطات المطلقة.. حتى صار في بعض الدول ابنًا شرعيًا للنظام، وولاؤه المطلق للحاكم، وليس للدستور ولا للقانون ولا للمجتمع.. وسوف تظل شعوبنا تعيش في جحيم من سلطات الحاكم "المطلقة"، إلى أن تتعلم درس "النهضة" من الشعوب التي نجحت بسياساتها التنموية العادلة.. وليس بقدرات حُكَامها الخارقة!
فحُرمة القتل في الدين لم تمنع "محمد علي" من قيامه بمذبحة المماليك.. ولم تمنع الظاهر "بيبرس" من قتل الملك المظفر قاهر التتار سيف الدين "قطز".. والغريب أن الشعب في الأولى شارك "محمد علي" في بناء مصر الحديثة.. وفي الثانية عمل ملحمة شعبية للأمير الخائن "بيبرس"!
ومن هنا فعلى الشعوب أن تعي جيدًا أن للسلطة "دينًا" تحكمه مصلحة عليا، قد تعجز هي عن إدراكها.. وأن معظم الحكام إن لم يكن جميعهم، يرون أنه كلما اتسعت سلطات الحاكم، كلما تمكن من تحقيق مصالح الشعب.. وكلما زادت مشاركة المواطنين في الحكم، كلما كانت معوقًا لقدراته في إدارة البلاد.. ومن ثم فقد لجأت تلك الأنظمة إلى تغيير الدساتير؛ لتوسيع صلاحيات حكامها.. وتزوير الانتخابات لتوسيع سلطاتهم.
وتنعكس تلك السلطات المطلقة دائما في طبيعة الجهاز الأمني، الذي ارتبط منذ نشأته بالنظام الحاكم، وباتت صلاحياته مؤشرًا على امتلاك الأنظمة الحاكمة للسلطات المطلقة.. حتى صار في بعض الدول ابنًا شرعيًا للنظام، وولاؤه المطلق للحاكم، وليس للدستور ولا للقانون ولا للمجتمع.. وسوف تظل شعوبنا تعيش في جحيم من سلطات الحاكم "المطلقة"، إلى أن تتعلم درس "النهضة" من الشعوب التي نجحت بسياساتها التنموية العادلة.. وليس بقدرات حُكَامها الخارقة!