رئيس التحرير
عصام كامل

«دين الأزهر ودين السلفيين».. الأنظمة السياسية المتعاقبة أساءت استغلال الإسلام.. تراجع دور المؤسسة الدينية أدى إلى ظهور تيارات متشددة غذت روح التطرف والعنف

شيخ الأزهر أحمد الطيب
شيخ الأزهر أحمد الطيب

لم ينأ الإسلام ذاته عن التنازع بين الجهات الرسمية وغير الرسمية، ففى ظل تراجع الأزهر الشريف عن الاضطلاع بدوره بشكل كبير، تمكن السلفيون ومن على شاكلتهم من الطفو على السطح وتشكيل خطاب دينى جديد منفر ومتشدد ومتعسف، في ظل استغلال الانظمة السياسية للدين ورجال الدين على حسب هواها ومصالحها ومزاجها.


في سياق دراسته التي حملت عنوان "الدولة المصرية والمجال الدينى" حاول الباحث الزائر في مركز كارينجى للسلام، جورج فهمى، وضع "النقاط فوق الأحرف" فيما يتعلق بالممارسات الدينية لقوى التيار الإسلامى داخل المساجد، كما ألقى الضوء على موقف الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، بدءا من نظام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، مرورا بعام حكم الرئيس "المعزول" الدكتور محمد مرسي، وصولا إلى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يدير البلاد في وقتنا الحالى.

"فهمى" بدأ حديثه بقوله: رغم أن القانون رقم 157 لسنة 1960، يعطى وزارة الأوقاف سلطة إدارة جميع المساجد في مصر، إلا أنه كان من الصعب تطبيق هذا القانون على أرض الواقع في تسعينيات القرن الماضي، خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، حيث أعلنت وزارة الأوقاف عن خطط للإشراف على جميع المساجد في مصر، ومع ذلك فإن عملية إلحاق المساجد لإشراف الوزارة، نجحت في الشكل وليس في الواقع، فقد مارست الحركات الدينية المتشددة على رأسها جماعةالإرهابية، والسلفيون الأنشطة الدعوية في عدد كبير من المساجد دون أن تسمح للأئمة المعتمدين من الوزارة باعتلاء المنابر.

وأكمل "فهمى" قائلا: الحكومة وقتها زعمت عدم امتلاكها الموارد المالية والبشرية اللازمة لإحكام قبضتها على ممارسات الإخوان والسلفيين وغيرهم في المساجد والزوايا وبشكل خاص في الأرياف، فأعلنت «الأوقاف» فقرها من الأئمة المسجّلين لملء مساجد مصر، فضلًا عن إعلان الوزارة انتقاص أموالها مما يقف عقبة أمام دفع رواتب العاملين في المساجد، من عمال ومؤذنين ومقيمى الشعائر والأئمة.

وأوضح أيضا أن حكومات "مبارك" المتعاقبة فضلت عدم اتّخاذ إجراءات صارمة ضد التيارات الدينية المتشددة، ومنحتهم الحرية في الانتشار بالمساجد مقابل الالتزام بعدم انتقاد النظام الحاكم والحكومة وسياساتها، فكانت النتيجة مأساوية حيث أصبحت سيطرة الدولة على المساجد شرفية، والسيطرة الفعلية كانت لأهل الجماعة.

الباحث الزائر بـ"كارينجى للسلام" انتقل لأيام حكم "المعزول" ومن ورائه جماعة الإخوان، حيث قال عن تلك الفترة: استغل نظام الرئيس المخلوع محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين، سيطرتهم على زمام حكم البلاد، وتم تعيين أعضاء الجماعة في المناصب الرئاسية داخل «الأوقاف»، للسيطرة على المساجد في كافة أرجاء المحروسة، من أجل استخدام خطابهم الدينى المسموم لخدمة أهداف الجماعة ونزع الشرعيّة عن معارضيها، فضلًا عن فصل العشرات من الأئمة المعروفين بمواقفهم الناقدة لجماعة الإخوان المسلمين عن العمل، مما أدى إلى نزول عدد من الأئمة إلى الشارع للاحتجاج على «أخونة الأوقاف»، بعد شعورهم بخيبة الأمل إزاء هذه السياسات التعسفية ضدهم.

وفيما يخص موقف حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية، قال "فهمى": ما زال حزب النور يحاول الحصول على إذن رسمى من وزارة الأوقاف للسماح للشيوخ السلفيين بممارسة العمل الدعوي، دون أن يتنصّل الدعاة السلفيون من المشاركة في الحياة السياسية قبل العودة إلى المساجد، حتى يستخدموا المساجد كأداة للتأثير على المواقف السياسية للجمهور، كما فعلوا خلال فترة حكم الجماعة الإرهابية، لكن «الأوقاف» تتصدى لتلك المحاولات من خلال تنفيذ حزمة من القوانين والقرارات، فأصدرت الوزارة القرار رقم 64 الذي يرمى إلى إخضاع جميع المساجد والخطب في مصر إلى سيطرتها، فضلًا عن تفعيل القانون رقم 51 الذي ينظّم الخطب والدراسات الدينية في مساجد مصر، ويحظر القانون ذاته على الأشخاص إلقاء الخطب أو ممارسة النشاط الدعوى دون الحصول على تصريح رسمي، من وزير الأوقاف وشيخ الأزهر فهما وحدهما المخوّلان بمنح تصاريح النشاط الدعوي، وبناءً عليه تم حظر 12 ألفا من الدعاة الذين لم يحصلوا على تعليم دينى في الأزهر من الخطابة في المساجد. فضلا عن عشرات المعاهد السلفية التي أغلقتها الأوقاف مؤخرا لاستشعارها أنها تخرج أجيالًا من المتشددين.

"فهمى" أوضح أيضا أن «الأوقاف» تحاول الحد من ظاهرة استخدام السلفيين للمساجد لتحقيق مكاسب سياسية، فأعلنت بالتعاون مع شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ميثاق الشرف الدعوي، الذي يشترط أن تكون جميع المساجد في مصر تحت الإشراف التام لوزارة الأوقاف، وعدم جواز استغلال المساجد لتحقيق منافع سياسية أو حزبية أو انتخابية، وطالبت الوزارة كافة الجماعات الدينية بتسليم مساجدها ووضع معاهدها الدينية تحت إشراف الدولة، كما قصدت «الأوقاف» منع بعض المشايخ من ممارسة النشاط الدعوى لأنهم اتُّهموا باستخدام أنشطتهم الدينية لخدمة الأهداف السياسية لحزب النور السلفي، وجاء على رأس قائمة الدعاة الممنوعين من الخطابة نائب رئيس الدعوة السلفية الدكتور ياسر برهامي، الذي طالما خرج بفتاوى أثارت الجدل على مستوى الشارع المصري.

الباحث لفت النظر أيضا، في الدراسة ذاتها، إلى أنه وسط هذا الزخم من الفتاوى الشاذة واعتلاء السلفيين وغيرهم من غير المتخصصين وغير الدارسين، تسعى «الأوقاف» إلى السيطرة على الشأن الدينى في البلاد، من خلال إحكام قبضتها على المساجد والأئمة ممَّن لا يحملون تصاريح لممارسة العمل الدعوى والمعاهد الدينية، في إطار حملة عامة استهدفت نشاط جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الدينية الموالية لها، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، يولى أهميةً كبيرةً لقضية حماية مؤسّسات الدولة الدينية، بعد سعى الجماعات الإرهابية إلى زعزعة استقرارها بهدف خلق حالة من الفوضى، كما يحدث في العديد من البلدان المجاورة.

وتابع قائلا: نجحت الأوقاف حتى الآن في بسط سيطرتها على المساجد والدعاة في مصر، بالإضافة إلى اتّخاذ الوزارة خطوات للتغلّب على نقص الموارد المالية والبشرية، فقد تمكّنت حتى الآن من حظر إقامة صلاة الجمعة في المصليات والمساجد الصغيرة وذلك للحدّ من عدد الدعاة المطلوبين، كما توسّعت الوزارة في تعيين خطباء المكافأة من خريجى الأزهر والدعاة الذين تلقّوا تدريبهم في المعاهد التابعة لوزارة الأوقاف، وفى حين يصل عدد الأئمة الدائمين إلى 58 ألفا، فقد زادت الوزارة عدد خطباء المكافأة من 21 ألف إلى 38 ألفا، بحيث بلغ العدد الإجمالى نحو 96 ألف إمام.

ولكن يبقى السؤال: متى يبقى الإسلام بمنأى عن التنازع السياسي؟

والصراعات المتأججة في ظل تخاذل الأزهر والأوقاف عن التعاطى مع دعوات الرئيس بتجديد الخطاب الدينى.
الجريدة الرسمية