مَدد.. يا قنديل.. مَدد
لم يخطر ببالى يومًا أن تلبى الحكومة نداء حيتان الاستثمار الكبار بهذه السرعة، وتعلن قرارها أمس بإلغاء ضريبة المبيعات على السلع الرأسمالية تشجيعًا للاستثمار، فبادرت بتهنئة صديقى رجل الأعمال الحوت صاحب الثروة المستفحلة وكيل للسلع الرأسمالية، فبادر هو بدعوتى إلى حفل بتلك المناسبة السعيدة، وبعد أن حضرت إلى قصره لمست السعادة تغمره، ورصدته يطالب حاشيته من الخدم أن "يدقوا الطبول"، ويعلنوا الأفراح والليالى الملاح، ووسط أغنية "قشطة يا يابا" التى سيطرت على الحفل صعد صديقى الآخر رجل الأعمال الحوت صاحب الثروة المستفحلة ووكيل للسلع الاستهلاكية وهو مخمورإلى المسرح، وأمسك بـ"المايك" قائلًا: "سمع هس.. سمعنى أغنية الدنيا خربانة.. يا حكومة خربانة"، وطبعًا الحوت الرأسمالى طرد الحوت الاستهلاكى وسط دهشتى وتعجبى، وتساءلت: لماذا غضب الاستهلاكى؟! فبادرت بزيارة صديقى خبير الاقتصاد حتى أتفهم ما السر وراء المتناقضات التى لمستها بين أصدقائى الحيتان. فوجدته مهمومًا حزينًا، فرد قائلًا: "مَدد يا قنديل الإخوان مَدد". فانتبهت لحديثه الذى كشف لى خلاله أن الحكومة "دست السم فى العسل"، فالقرار يهدر على الدولة أموالًا طائلة بدون فائدة، كون السلع الرأسمالية لا تؤثر فى مؤشرات الأسعار. قلت له: طيب فين المشكلة؟ فقال: المشكلة فى السلع الاستهلاكية، ففرض ضريبة مبيعات عليها معناه رفع الأسعار على المستهلك؛ لأن حيتان تلك السلع لن يقتطعوا هذه الزيادة من هامش أرباحهم، ومن ثم سيرفع السلع الاستهلاكية بنفس المعدل، ما تتحمله الأسر الفقيرة على عاتقها، قلت له: مش فاهم، ده وزير المالية قال: لا مساس للمواد الأساسية. قال: السلع الأخرى كضريبة النقل والتراخيص من شأنها رفع أسعار تكلفة النقل، ما يرفع أسعار السلع الاستهلاكية، قلت له: زى إيه؟ رد: "الزيت، السكر، المكرونة، الأرز، القمح، الخضروات، الفواكه، الملابس، الأسماك، اللحوم، الدواجن، الألبان، الجبن، العصائر". فقلت له: طيب، وده يشجع الاستثمار؟ قال: طبعًا لا؛ لأن أغلب الاستثمارات الهامة هى الاستهلاكية، وبالتالى القرار طارد للاستثمار، فقاطعته بعد أن شعرت بغصة فى قلبى، وهرولت إلى شوارع المحروسة أُحذر المارة، وظللت أردد: "لا تشربوا هذا القرار، القرار فيه سم قاتل، الحكومة تخدعكم وتستخف بعقولكم". فما كان من المارة إلا اتهامى بالخيانة والعمالة والليبرالية ومخالفة الشريعة بالخوف على ارتفاع أسعار "الجبنة النستو" بتاعت حمدين، و"تفاح البرادعى"، فاستيقظت من نومى، وأدركت أن كابوس الأسعار راودنى، لكننى أدركت حينها حقيقة ماذا كان يقصد صديقى خبير الاقتصاد بقوله: "مَدد..يا قنديل الإخوان..مَدد".