رئيس التحرير
عصام كامل

تشريح ظاهرة الفساد


لا يمكن في تقديرنا مكافحة ظاهرة الفساد المستشري في كل جنبات المجتمع، بغير التشريح الدقيق لهذه الظاهرة، الذي يكشف عن الآليات المتعددة التي يعتمد عليها، وفي هذا المجال من الأهمية بمكان التفرقة بين الفساد الفردي والفساد المؤسسي.


وحتى لا يكون حديثنا على سبيل التجريد، سنلجأ في الكشف عن آليات الفساد إلى أسلوب "دراسة الحالة" المعروف في مناهج البحث الاجتماعي.

والحالة الأولى التي يمكن أن تكون نموذجية في مجال كشف الفساد الفردي، هي حالة الدكتور "أحمد نظيف" رئيس الوزراء السابق، وأهمية هذه الحالة أنه صدر بصددها حكم محكمة جنايات الجيزة، التي أصدرت حكمها على أحمد نظيف بالحبس لمدة 3 سنوات، وتغريمه 4 ملايين جنيه و586 ألف جنيه، وإلزامه برد مبلغ مساوٍ بالتضامن مع زوجته المتوفاة ونجليه "شريف وخالد"، في قضية الكسب غير المشروع والتربح من الوظيفة العامة.

والسؤال الآن ما هي آليات الفساد التي اعتمد عليها "أحمد نظيف"، مستغلًا وظيفته كرئيس للوزراء، ما أدى إلى إثرائه ثراء فاحشًا لا يتفق مع بداياته المتواضعة كأستاذ جامعي له مرتب محدود؟

يقول الحكم إنه في الفترة بين عامي 2004 حتى 2011، استغل "نظيف" وظيفته في التربح، وحصل لزوجته الراحلة قبل وفاتها على وحدة سكنية في أبراج "سان استيفانو" في الإسكندرية مقابل 154 ألف جنيه، وهو مبلغ أقل بمقدار 69% من السعر الذي تباع به للمواطن العادي.

غير أن وقائع هذا الفساد لمن كان رئيسًا لوزراء مصر، تتضاءل في الواقع أمام واقعة فساد كبرى خطط لها "أحمد نظيف"، حين كلف وزير الاتصالات ببناء مبنى فاخر لجامعة النيل، تكلف ما يفوق 400 مليون جنيه، وأهداها بلا مقابل إلى جمعية "أهلية" كونها هو، وعين لها مجلس أمناء حتى يرثها بعد أن يترك الوزارة، وتكون أحد مصادر تراكم ثروته الحرام.

بل إنه قطع من أراضي الدولة لنفس الجمعية ثلاثمائة فدان؛ حتى تستكمل الجامعة بناء مبانيها.

وهذه هي قصة مباني جامعة "النيل"، التي تنازع الآن الدكتور "أحمد زويل"، الذي صدر له قرار وزاري بأن ينشئ فيها مدينة "زويل للعلوم".

لم يسبق في التاريخ المصري، أن بنت الحكومة مباني كلفت مئات الملايين من الجنيهات من ميزانية الدولة، وأهدتها خالصة وبلا ثمن لجمعية أهلية، كما حدث بالنسبة لجامعة النيل.

وهكذا ينتقل الفساد الفردي إلى الفساد المؤسسي!
الجريدة الرسمية