رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى ميلاد الزعيم.. أنت فاهم يعني أيه ناصرية؟!


لا يتوقف صديقي عن الجدال.. وفجأة التفت لي وصرخ:
قال: ما تقولوا مصري.. أيه ناصري وساداتي ووفدي.. ليه التفرقة دي؟ 

قلت: هذا الكلام يتردد كثيرا وكأننا في مسابقة رياضية.. وهذا كلام غير علمي؛ لأننا ونحن نحب الوطن ونتنافس على حبه وعلى وسائل تقدمه وخطط النهوض به، وكل تيار سياسي يقدم رؤيته لذلك، ومع تقدم المجتمعات وتحضرها لا يمكن لتيار أن يغتصب السلطة، وعليه أن يطرح نفسه على الناس في إطار ديمقراطي، وأن يقدم لهم رؤيته لذلك.. هذه الرؤية هي التي تحمل التسمية اختصارا حتى يفهم الناس التمايز والاختلاف بين كل تيار.. فهذا وفدي وذاك ناصري والآخر ماركسي، والرابع سلفي وهكذا..


قال: وماذا عن الناصرية؟.. يعني أيه ناصرية التي ترددونها كثيرا؟
قلت: هي خلاصة تجربة جمال عبد الناصر في الحكم.. قاطعني وقال: يا داهية سودا.. عايزين ترجعوا نكسة 67 والديكتاتورية؟
قلت: هذا أيضا كلام غير علمي؛ لأن البرامج السياسية تخاطب الناس للمستقبل.. وليس للماضي، ولا يمكن أن تجد برنامجا سياسيا يتعهد للناس بتكرار انتكاسات أو أزمات.. علما بأن الناصرية ليست أيضا السد العالي ولا مجانية التعليم ولا التصنيع الثقيل؛ لأن الناصرية شيء والحقبة الناصرية شيء آخر.. الناصرية خلاصة التجربة.. إنما الحقبة الناصرية هي مجمل الأحداث والقوانين.. سلبا وإيجابا.. الحقبة الناصرية هي الفعل، ولكن الناصرية هي القيمة.

الحقبة الناصرية وفرت العلاج المجاني والتعليم المجاني للفقراء، والناصرية تختصر ذلك بمبدأ توزيع عادل للثروة والخدمات. 

والحقبة الناصرية شيدت السد العالي، والناصرية تلخص ذلك في إعلاء قيمة الاستقلال الوطني.. والحقبة الناصرية شيدت المصانع الثقيلة، ولكن الناصرية تختصر ذلك في أن مستقبل مصر في التصنيع والتخطيط وليس في الزراعة فقط، ولا في ترك التخطيط للاقتصاد الوطني بيد أفراد أو رجال أعمال.

والحقبة الناصرية شهدت أيضا نكسة 67، وهنا نستخلص أن عدونا لن يترك أي تقدم في مصر، لكن عند أي تقدم يجب أن تحميه قوة عسكرية واقتصادية كبيرة، ونستخلص أيضا أن إسرائيل العدو الأزلي، وأن المعركة معه معركة وجود؛ لأنه يريد أن يبلع المنطقة كلها وفق نبوءات يؤمن بها سكان دولة العدو.

ولكن لا يصح أن تتحول النكسة إلى احتفال وزفة سنوية لمصر وجيشها، فالأصل أن نتعلم من الدروس وليس أن نقدم للعدو تبرعا مجانيا لإحباط المصريين، فالبعض للأسف لا يحتفل بإنجازات كبرى، لكن لا يترك سنة بغير المشاركة جنبا إلى جنب مع الشئون المعنوية الإسرائيلية في الاحتفال معهم بنكسة 67!

قال: ولمَ هي الناصرية مشروع للمستقبل على هذه الأسس.. لماذا تعيشون في الماضي دائما؟

قلت: هل إحياء ذكرى قائد الثورة الأم في مصر حياة في الماضي؟.. وهل إحياء مناسبات وطنية تخص كل المصريين حياة في الماضي؟.. وهل الدفاع عن زعيم تعرض لأكبر حملة تشويه في تاريخ زعماء الدنيا شارك فيها الإخوان مع الوفد مع الأمريكان مع قوى عربية عاداها عبد الناصر مع إقطاعيين ورأسماليين مع شيوعيين وكلهم لهم ثأر ذاتي مع عبد الناصر وليس موضوعيا.. هل هذا عودة للماضي؟.. إذن ماذا تقول عمن يحتفلون بالخديو إسماعيل والملك فاروق بل هناك من يحتفل بمؤسس الدولة العثمانية ذاته؟!

قال: وهل الناصرية تعني الشتائم والسباب والخلافات والفرقة بينكم؟
قلت: هؤلاء ناصريون والحكم على الناصرية يكون بنصوصها وحلولها لمشاكل الأمة، وهي ثابتة في مبادئ العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين الكبار والصغار، وبين الأغنياء والفقراء، وبين الأقوياء والضعفاء، وهي تعني الوحدة العربية والتخطيط الشامل للبلاد اقتصاديا واجتماعيا، ويكفي الندم على تخلي الدولة عن الإنتاج السينمائي مثلا وما تبعه من تدمير شامل لقيم المصريين من أعمال منحطة لا علاقة لها ببناء الإنسان!

قال: وهؤلاء؟
قلت: هؤلاء احكم عليهم بسلوكهم.. الفكرة تقاس بالالتزام بها، والإرهابيون مثلا مثلا ليسوا حجة على الإسلام، والمنحرفون بالصوفية ليسوا حجة على التصوف، ومتعصبو الكرة ليسوا حجة على أنديتهم العريقة وهكذا..

قال: كلام جميل لكنكم لستم ديمقراطيين؟
قلت: كل ما تعرفه عن هذا الموضوع ومقدما، فتأكد أنه غير صحيح، ولكن يحتاج الأمر إلى حوار منفصل، وانتظر الحكم وسأثبت لك بالدليل!

قال: بالدليل؟؟
قلت: نعم بالدليل.. اتفقنا؟
قال: اتفقنا.
الجريدة الرسمية