ما بعد الاستفتاء على الدستور
كنت أتمنى ألا يصدر الدكتور مرسى إعلانه الدستورى المعيب الذى أشعل النار فى جسد الوطن، وأوصل أبناءه إلى هذه الحالة من الاحتراب غير المسبوقة، وكنت أتمنى أن يتأجل الاستفتاء على الدستور ريثما يتم التوافق الوطنى عليه، أو على الأقل المواد المختلف عليها والتى ربما لا تزيد على ٢٠ مادة، كما وعد بذلك الدكتور مرسى.
لكن للأسف لم يحدث، وزادت النار لهيبا، إن نسبة المشاركين فى الجولة الأولى للاستفتاء لم تتجاوز ٣١٪ ممن لهم حق التصويت، وأعتقد أن النسبة فى الجولة الثانية سوف تكون حول هذا الرقم، وربما تتعداه بقليل، وبالتالى، فنحن أمام أكثر من ثلثى الشعب المصرى لم يذهب إلى صناديق الاستفتاء، ولم يشارك فى الإدلاء بصوته فى الدستور الذى ستتوقف عليه طبيعة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال الفترة المقبلة، وهذه خسارة كبرى، فضلا عن أنها تنذر بعدم استقرار، ولا شك أن الظروف التى سادت قبل الاستفتاء، من انقسام وتشرذم وعنف وصل إلى حد الدم، ناهيك عن دخول الرئاسة فى خصومة مع القوى السياسية - ممثلة فى جبهة الإنقاذ الوطنى - والهيئات القضائية المختلفة، وإصرار الأغلبية منها على عدم الإشراف على الاستفتاء، كل ذلك كان له أثره المباشر على هذه النسبة المتدنية للمشاركين.
لقد تمخضت الجولة الأولى للاستفتاء عن ٥٧٪ من المشاركين قالوا "نعم"، و٤٣٪ قالوا "لا"، والمؤشرات المبدئية للجولة الثانية تنبئ عن نحو ٦٥٪ قالوا "نعم"، و٣٥٪ قالوا "لا"، وبغض النظر عن الخروقات التى وقعت فى الجولة الأولى والتجاوزات الكبيرة فى الجولة الثانية، إلا أنه من الواضح أن نحو ما يقرب من ٤٠٪ من المشاركين غير موافقين على الدستور، وبالتالى، نستطيع أن نقول بحق: إن الدستور لا يعبر عن غالبية المصريين، إن من قالوا نعم - حسب المعلومات المتاحة ساعة كتابة المقال - هم فقط نحو تسعة ملايين أو يزيد قليلا.
يخطئ من يتصور أن الأمور سوف تمضى بسلاسة وسهولة ويسر، ما زالت أسباب الاحتقان والتوتر، والاحتراب قائمة، بل زاد عليها ما حدث أثناء الاستفتاء، وما سوف يجره علينا من آثار وتداعيات، ونسأل الله السلامة، لقد بعثت بهذا المقال ظهر الأحد، ولا يخفى على القارئ الكريم أن الأحداث تتلاحق بسرعة مذهلة، وربما يكون قد حدث خلال هذين اليومين ما ليس فى التصور ولا فى الحسبان، فأعضاء النيابة كان من المقرر أن يحتشدوا الأحد بدار القضاء العالى للمطالبة برحيل النائب العام المستشار طلعت إبراهيم، وجبهة الإنقاذ الوطنى اجتمعت أيضا فى نفس اليوم لتقويم الوضع أثناء الاستفتاء وبعده، وما سوف تتخذه من قرارات ومواقف وخطة عمل خلال الأيام القليلة المقبلة، لكن من المؤكد أن موقف الرئيس مرسى وجماعة الإخوان - إيجابا أو سلبا، اقترابا أو بعدا من الجماعة الوطنية - سوف يلقى بظلاله على الوضع العام، وبالتالى سوف يحدد ما يمكن أن يتخذ من ردود أفعال، حفظ الله مصر وأهلها، ووقاهم من كل سوء.