رئيس التحرير
عصام كامل

بعد أحداث التحرش الجنسي بكولونيا.. المغاربيون في قلب الأزمة


وضعت أعمال العنف والتحرش التي شهدتها مدينة كولونيا ليلة رأس السنة اللاجئين المغاربيين وغيرهم في قفص الاتهام، خصوصا من طرف وسائل الإعلام. فهل هذه الاتهامات مبررة، أم أنها تشير إلى فشل السياسة في قضايا الهجرة واللاجئين؟

لاتزال التحقيقات جارية لكشف ملابسات أعمال السرقة والتحرش الجنسي التي حدثت في مدينة كولونيا ليلة رأس السنة الجديدة. وقد وصل عدد الشكاوى المقدمة حتى الآن 553 شكاية، ونسبة 45 بالمائة منها مرتبطة باعتداءات جنسية.

وحسب معلومات نشرها اليوم الموقع الألماني "تسايت أونلاين"، نقلا عن مصادر أمنية، فقد وصل عدد المشبه بهم الذين تم تحديد هويتهم إلى 32 شخصًا، وأكثرهم من المغرب والجزائر وتونس. هذا العدد الكبير منهم أثار اهتماما واسعا خصوصا لدى وسائل الإعلام الألمانية.

تنديد من المجتمع المدني

تفاعلُ الأقليات المغاربية مع هذه الأحداث الأخيرة في كولونيا تجلى في تعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي. في هذا السياق كتب أحد المدونين المغاربة معلقا على تلك الأحداث: "بالله عليكم ماذا تنتظرون منهم أكثر من هذا؟ استقبلوكم، رحبوا بكم، واحتضنوكم. هل هكذا يرد الجميل؟ بإظهار فحولتكم وأنتم سكارى! وكأن الألمانيات كن ينتظرنكم لكي تسمعوهن كلاما فاحشا، نابيا وتلمسون أجسادهن عنوة. هذا تدني إنساني، عيب!".

وكتب أحد رواد فيسبوك التونسيين: "ما وقع هو نتيجة تربية الكبت وغياب الأخلاق. هم يستضيفونكم وأنتم تعتدون عليهم، بينما البلدان الإسلامية غلقت الأبواب في وجوهكم".

أما معلق جزائري فكتب يقول: "من قام بذلك هم منحرفون دخلوا من اليونان تحت غطاء أنهم لاجؤون سوريون، وهذه الحادثة أعطت صورة جد سيئة في أوربا وفي العالم على أن بلدان المغرب العربي إما معروفة بالإرهاب أو بالبلطجة، وهو ما نشاهده في الملاعب الرياضية والأحياء الشعبية والشوارع والأعراس".

تجاهل من طرف الحكومات المغاربية !

في الوقت الذي تحركت فيه فعاليات من المجتمع المدني للتنديد بما وقع، لم يصدر إلى حد الآن أي رد فعلي رسمي من حكومات ودول أولائك اللاجئين. وعن غياب رد الفعل يقول عبد القادر رافود، باحث ومسئول عن الهجرة والاندماج في فرانكفورت بولاية "هيسن"، وهو من أصول مغربية، في حوار مع موقع DW: "لا أعرف لماذا لم تتفاعل الحكومات المغاربية مع ضلوع أبنائها في أعمال السرقة والتحرش الجنسي في ألمانيا. ربما لأنها خجلت لما حدثأو ربما سيكون لها رد فعل في الأيام القادمة".

أما رشيد عويسة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماربورغ وهو من أصول جزائرية فقال في تصريح ل DW: "الحكومات عندنا لا تهتم كثيرًا بمشاكل جالياتها في أوربا كما تفعل تركيا مثلا. ففي البلدان المغاربية تغيب رؤية سياسية واضحة لتأطير المهاجرين".

ويعتبر عويسة أن دخول العديد من المغاربيين كلاجئين إلى ألمانيا قد يكون خلف غياب رد فعل رسمي، فقد "يمكن أن تبرر تلك الحكومات صمتها في كون الأشخاص المعنيين تخلوا عن جنسيات بلدانهم للحصول على اللجوء في ألمانيا. وقد تعتبر أيضا أن ما قام به الجناة ليس مشكلتنا".

شباب لاجئ في قفص الاتهام

بالنسبة لمكتب مكافحة الجريمة فان ضلوع لاجئين ومهاجرين مغاربيين شباب في الأحداث الأخيرة ليس أمرًا مفاجئا أو أنه كان محض صدفة، حيث إن مستوى عدد الجرائم المسجلة بين أوساط الشباب من أصول مغاربية ارتفع منذ عام 2010. وحسب المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة يحتل هؤلاء المرتبة 14 في لائحة الجاليات المرتبطة بمتابعات جنائية في ألمانيا.

ويعبر عبد القادر رافود، الحاصل في العام الماضي على جائزة الاندماج في مدينة فرانكفورت، عن اعتقاده أن التركيز على لاجئين مغاربيين بشأن ما يوجه إليهم من اتهامات ليس أمرا مبالغا فيه. ويلاحظ أن أوضاعهم كلاجئين، لايمكن مقارنتها بأوضاع اللاجئين الفارين من الحروب مثلا في سوريا وأفغاستان والعرق، وبصرف النظر عن ذلك "يجب عليهم الاندماج مع القيم الألمانية وقوانين ألمانيا".

غير أن الباحث رشيد عويسة يفضل عدم التركيز على أصل المتورطين في أعمال التحرش. لأن التركيز على المغاربيين "يمكن أن يعطي الانطباع وكأنهم وحدهم يتحرشون بالنساء ويقترفون جرائم، والحال أن هذه ظواهر منتشرة في كل المجتمعات الشرقية" على حد قوله.

إشكالية الترحيل الفوري

الآن ترتفع الأصوات المطالبة بترحيل اللاجئين المتورطين في اعتداءات تحرش جنسي أو في سرقات في ألمانيا. وقد توصل الائتلاف الحكومي الألماني اليوم الثلاثاء (12 يناير 2016) إلى تفاهم حول تسهيل عملية إبعاد الأجانب المحكوم عليهم بعقوبة سجن.

غير أن رشيد عويسة يتعتبر أن موضوع الترحيل مشكلة في حد ذاته ملاحظا أنه رغم أن " بعض البلدان المغاربية آمنة من وجهة نظر عامة. لكن دراسة بعض الحالات سيكشف عن وجود ميز عنصري". كما يقترح رافود تفادي ضرورة منح فرصة للمتورطين في جنح لإعادة إدماجهم.

"الإندماج عبر الحوار هو أنجع الحلول، يجب أن يفهم هؤلاء الناس أن المرأة حرة في لباسها وتصرفاتها. وحتى إذا أراد أحدهم الحديث مع امرأة ما، فيجب أن يكون ذلك بطرق حضارية وليس بالعنف".

وفي انتظار الكشف عن تفاصيل الأحداث والمتورطين من بين اللاجئين هناك مخاوف من وقوع أعمال انتقامية ضد المهاجرين، ومن استغلال مثل هذه الأحداث من أطراف معادية للأجانب.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية