تطوير الجامعات المصرية.. والخروج من «التوابيت» (2)
تحدثت في المقال السابق عن ثلاث إشكاليات تواجه تطوير التعليم الجامعي في مصر، ونوهت إلى أن زيادة عدد الطلاب المقيدين والمقبولين في الجامعات الحكومية يشكل عقبة، في ظل ضخ أعداد لا تتحملها البنية الأساسية المتهالكة لهذه الجامعات، وحيث لا يوجد أماكن لهؤلاء الخريجين في سوق العمل، هو ما أدى بخريجي الجامعات إلى الاشتغال بمهن وحرف لا تتعلق بالشهادات التي حصلوا عليها.
وربما يشكل الجانب الاقتصادي العائق الثاني وحجر العثرة في وجه تطوير الجامعات؛ لأن نبل مجانية التعليم أدت إلى قتل مبدأ التنافس، فضلًا عن التهام المرتبات للجانب الأكبر من ميزانية التعليم الجامعي.. فالقراءة البسيطة للمعلومات التي نشرتها جريدة "فيتو" في يونيو عام 2014، تقول إننا نعيش كارثة حقيقية؛ حيث أكدت الجريدة - وفق مصادر مطلعة - أن ميزانية التعليم العالي ارتفعت من 18 مليار جنيه إلى 20 مليار جنيه، غير أن رواتب العاملين تلتهم 14.5 مليارا من الميزانية.
وتحدثت في المقال السابق أيضًا، عن القرض البنكي الحسن وعن تحرير التعليم الجامعي ماليا بشكل جزئي، وربطه بعمل الخريج بعد ذلك، أو سفره للعمل للخارج.
وناقشت خلال المقال، إشكالية "تهرؤ" بيئة التعلم والبنية الأساسية للجامعات.. فمشاركة عمداء الكليات في غسل الكليات بخراطيم المياه قبل بداية العام الدراسي، ونشر أخبار تنظيف المباني والقاعات من التراب في الصحف، والتفاخر بها، ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بتطوير بيئة التعلم.. وأتناول في هذا المقال، ثلاث إشكاليات تواجه تطوير الجامعات المصرية، وهي: عملية التعلم، ومضمون التعلم، ومنتجات التعلم.
هناك انفصال في الجامعات المصرية، وخاصة في الجامعات الحكومية، بين الطالب وعضو هيئة التدريس؛ حيث الاتصال بينهما معدوم.. والحل أن نلجأ كما لجأت الجامعات في الخارج، والبعض من الجامعات في الداخل، إلى الاحتماء بتكنولوجيا التعليم؛ لأن تكنولوجيا التعليم ساهمت في حل جزء من التواصل المفقود، من خلال التواصل عبر منصات التعلم المجانية مثل موودل Moodle، وغيرها من منصات الإنترنت التي تتيح منتديات للنقاش والتواصل، وتتيح لعضو هيئة التدريس التواصل مع طلابه من خلال التعليقات التي يتركها لهم عند تقييمه وتصحيحه للاختبارات الجزئية، ووضع المواد التعليمية على الإنترنت، بحيث يستطيع الطالب الحصول عليها بسهولة داخل أو خارج الجامعة.
وعلى الجامعات المصرية، أن توفر معامل للحواسب يمكن أن يستخدمها جميع الطلاب، فما من جامعة في أمريكا الشمالية إلا بها معمل للحواسب، متصل بالإنترنت، يمكن للطالب أن يستخدمه لكتابة بحثه، أو للبحث عن مواد علمية، أو لزيارة منصة التعلم المجاني.. فهل هناك جامعة حكومية واحدة – توحد الله – تطبق نظام التعليم عن بعد بشكل فعال، ليس من أجل الديكور، هذا إن وُجد، ولكن لاستخدامه لإنجاح عملية التعلم؟.. الإجابة هي النفي.
عملية التعلم في الجامعات المصرية تتضمن كارثتين مسكوت عنهما، وهي عمليتا التقييم والتصحيح.. فالطالب لا يعرف الأسس التي سيتم على أساسها تقييمه إلا في نهاية العام الدراسي، إلا ما رحم ربي من أعضاء هيئة التدريس، الذين يحددون أسس التقييم في بداية العام، أو المناهج التي تتضمن في داخلها أسس التقييم.
أما علمية تصحيح الامتحانات ووضع الدرجات فهي كارثية، فعضو هيئة التدريس في معظم الكليات النظرية وخاصة الكبرى، يكون مطالبًا بتصحيح ما بين 400 إلى 1000 ورقة إجابة في يومين أو ثلاثة، وسط مطاردة من "الكنترول" أو لجنة رصد الدرجات ومراجعتها، ورغم أن لجان رصد الدرجات ومراجعتها تقوم على أساس نبيل وهو ضمان الشفافية والنزاهة، وحماية الطالب، فإن العملية برمتها تتضمن نوعا من "تخوين" عضو هيئة التدريس، ولا تحفظ بالضرورة للطالب حقه.. فهناك قواعد – لا ترقى إلى حد القوانين – يجب الثورة عليها، ومنها على سبيل المثال، وجود حق للطالب في تقديم تظلم لوكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، خلال أسبوعين من إعلان نتيجة الامتحانات، على أن هذا التظلم لا يعطي للطالب حق طلب إعادة تصحيح ورقة الإجابة؛ لأن المعلن عنه أن هناك لجانا للتصحيح يصدرها رئيس كل قسم علمي، يقوم بموجبها عضوان لهيئة التدريس بمراجعة ورقة الإجابة التي قام أستاذ المادة بتصحيحها ووضع درجة لها.
لكن الواقع الذي يعرفه القاصي قبل الداني، أن معظم الجامعات المصرية وخاصة الكليات النظرية منها، لا تقوم بتفعيل لجان التصحيح بشكل فعلي وحقيقي، وأن لجان التصحيح في معظم الكليات حبر على ورق، وأن أكثر رؤساء الأقسام نباهة قد يطلب من أعضاء لجنة التصحيح في كل مادة علمية التوقيع على كراسة الإجابة لحماية نفسه وحماية أعضاء اللجنة الذين يقومون أغلب الظن بالتوقيع وهم "مغمضو العينين" لأسباب متعددة، أولها: لأنهم يعتبرون أن تصحيح ورقة الإجابة حق أصيل لأستاذ المادة، وأن مراجعة الدرجة التي وضعها أستاذ المادة ستخلق نوعًا من الحساسية بين الأساتذة، كما أن مراجعة كراسة إجابة قام عضو هيئة تدريس بتصحيحها تعني أن عضو هيئة التدريس المراجع يحتاج للوقت نفسه الذي احتاجه أستاذ المادة.. فضلا عن وجود قاعدة متعارف عليها هي أن التوقيع "الصوري" هو بروتوكول؛ لأنه من العيب أن تراجع ورقة إجابة قام بتصحيحها زميل لك، وأنك إذا راجعت ورأيت اعوجاجًا وأشرت إليه فإنك ستشرب من الكأس نفسه.. وبين ذلك وذلك يضيع حق الطالب إن كان مظلومًا.
الأساس الذي تم على أساسه إنشاء لجان لرصد الدرجات، يقوم على التشكيك في ذمة عضو هيئة التدريس؛ لأن هذه اللجان تقوم بنزع اسم الطالب من على ورقة الإجابة، ثم تعيدها بعد أن يقوم أستاذ المادة بتصحيحها، رغم أن أستاذ المادة الذي يرغب في مجاملة طالب بعينه يمكن أن يطلب من الطالب أو الطالبة أن يترك علامة مميزة في ورقة الإجابة، لا يمكن للجنة التصحيح أن تكتشفها.. ورغم أن العالم الخارجي، والكثير من الجامعات الخاصة في مصر قد هجروا منذ زمن بعيد هذا المنهج، فإن الجامعات الحكومية المصرية ماضية في سعيها نحو منهج تصحيح كراسات الإجابة الذي يقوم على التشكيك في ذمة عضو هيئة التدريس، ولا يضمن في الوقت نفسه للطالب المظلوم حقه.
مضمون عملية التعلم تشكل عائقا بحجم العائق الذي تشكله عملية التعلم، فعلمية تطوير مناهج الكليات معقدة للغاية إن لم تكن شبه مستحيلة، وهذا الكلام ليس مرسلًا، وفتش في ذلك عن إنشاء أقسام جديدة بجامعات قائمة.. فعندما قررت إحدى الجامعات إنشاء قسم للإعلام، كان عليها أن تختار إحدى لوائح ومناهج أقسام الإعلام القائمة، بحلوها ومرها؛ لأن التجرؤ على ما هو موجود ووضع لائحة تتماشى والتطور العلمي، يؤدي إلى التعطيل المتمثل في موافقة مجلس الجامعة، ثم موافقة لجان القطاعات المختلفة، ثم المجلس الأعلى للجامعات، وهي عملية قد تأخذ بضع سنوات.
وغني عن القول أنه لا يوجد هناك لجان لتنقية المناهج وتطويرها، وهي إن وجدت ولم يسمع بها العبد لله، فهي مثلها مثل اللجان الصورية التي لا عمل لها في الحقيقة، وهي إن عملت ستواجه بعوائق.. فهل سمعتم عن أي محاولة لتنقية المناهج الحالية؟.. وهل يعرف رئيس القسم الأكاديمي المادة العلمية التي يدّرسها عضو هيئة التدريس؟
الإجابة هي: ربما.. لكن الثابت أن رئيس القسم لا يسمع عادة، خبرا يتعلق بمنهج من المناهج إلا عندما ترد إليه، أو لوكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، أو لعميد الكلية، شكاوى من الطلاب.. وليس المقصود هنا فرض وصاية على عضو هيئة التدريس.. لكن أما أن العالم اتجه منذ سنوات، بما في ذلك بعض الجامعات الخاصة في مصر، إلى وجود خطة المقرر التي تتضمن أهداف المقرر، والمادة العلمية التي سيدرسها الطالب، ومصادر التعلم وكيفية الحصول عليها، ثم المادة العلمية موزعة أسبوعيًا، ثم النتائج التي يجب أن يتوقعها الطالب والمهارات التي قد يكتسبها بعد انتهاء المنهج.. هذا الاتجاه موجود في كل أنحاء العالم، ومأخوذ به في كثير من الجامعات الخاصة التي تهتم بمضمون التعلم، فأين الجامعات الحكومية المصرية من هذا كله؟
وطالما كانت جميع مقومات التعليم الجامعي في مصر متأخرة، إن لم يكن بعضها خرب بالفعل، فماذا يمكن أن نتوقع من منتجات التعلم؟.. نتوقع خريجين لا يستطيعون المنافسة في سوق العمل الخارجية؛ بسبب ضعف اللغة وضعف المهارات.. خريجين ليس لهم لازمة في سوق عمل داخلية مكتظة.
وناقشت خلال المقال، إشكالية "تهرؤ" بيئة التعلم والبنية الأساسية للجامعات.. فمشاركة عمداء الكليات في غسل الكليات بخراطيم المياه قبل بداية العام الدراسي، ونشر أخبار تنظيف المباني والقاعات من التراب في الصحف، والتفاخر بها، ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بتطوير بيئة التعلم.. وأتناول في هذا المقال، ثلاث إشكاليات تواجه تطوير الجامعات المصرية، وهي: عملية التعلم، ومضمون التعلم، ومنتجات التعلم.
هناك انفصال في الجامعات المصرية، وخاصة في الجامعات الحكومية، بين الطالب وعضو هيئة التدريس؛ حيث الاتصال بينهما معدوم.. والحل أن نلجأ كما لجأت الجامعات في الخارج، والبعض من الجامعات في الداخل، إلى الاحتماء بتكنولوجيا التعليم؛ لأن تكنولوجيا التعليم ساهمت في حل جزء من التواصل المفقود، من خلال التواصل عبر منصات التعلم المجانية مثل موودل Moodle، وغيرها من منصات الإنترنت التي تتيح منتديات للنقاش والتواصل، وتتيح لعضو هيئة التدريس التواصل مع طلابه من خلال التعليقات التي يتركها لهم عند تقييمه وتصحيحه للاختبارات الجزئية، ووضع المواد التعليمية على الإنترنت، بحيث يستطيع الطالب الحصول عليها بسهولة داخل أو خارج الجامعة.
وعلى الجامعات المصرية، أن توفر معامل للحواسب يمكن أن يستخدمها جميع الطلاب، فما من جامعة في أمريكا الشمالية إلا بها معمل للحواسب، متصل بالإنترنت، يمكن للطالب أن يستخدمه لكتابة بحثه، أو للبحث عن مواد علمية، أو لزيارة منصة التعلم المجاني.. فهل هناك جامعة حكومية واحدة – توحد الله – تطبق نظام التعليم عن بعد بشكل فعال، ليس من أجل الديكور، هذا إن وُجد، ولكن لاستخدامه لإنجاح عملية التعلم؟.. الإجابة هي النفي.
عملية التعلم في الجامعات المصرية تتضمن كارثتين مسكوت عنهما، وهي عمليتا التقييم والتصحيح.. فالطالب لا يعرف الأسس التي سيتم على أساسها تقييمه إلا في نهاية العام الدراسي، إلا ما رحم ربي من أعضاء هيئة التدريس، الذين يحددون أسس التقييم في بداية العام، أو المناهج التي تتضمن في داخلها أسس التقييم.
أما علمية تصحيح الامتحانات ووضع الدرجات فهي كارثية، فعضو هيئة التدريس في معظم الكليات النظرية وخاصة الكبرى، يكون مطالبًا بتصحيح ما بين 400 إلى 1000 ورقة إجابة في يومين أو ثلاثة، وسط مطاردة من "الكنترول" أو لجنة رصد الدرجات ومراجعتها، ورغم أن لجان رصد الدرجات ومراجعتها تقوم على أساس نبيل وهو ضمان الشفافية والنزاهة، وحماية الطالب، فإن العملية برمتها تتضمن نوعا من "تخوين" عضو هيئة التدريس، ولا تحفظ بالضرورة للطالب حقه.. فهناك قواعد – لا ترقى إلى حد القوانين – يجب الثورة عليها، ومنها على سبيل المثال، وجود حق للطالب في تقديم تظلم لوكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، خلال أسبوعين من إعلان نتيجة الامتحانات، على أن هذا التظلم لا يعطي للطالب حق طلب إعادة تصحيح ورقة الإجابة؛ لأن المعلن عنه أن هناك لجانا للتصحيح يصدرها رئيس كل قسم علمي، يقوم بموجبها عضوان لهيئة التدريس بمراجعة ورقة الإجابة التي قام أستاذ المادة بتصحيحها ووضع درجة لها.
لكن الواقع الذي يعرفه القاصي قبل الداني، أن معظم الجامعات المصرية وخاصة الكليات النظرية منها، لا تقوم بتفعيل لجان التصحيح بشكل فعلي وحقيقي، وأن لجان التصحيح في معظم الكليات حبر على ورق، وأن أكثر رؤساء الأقسام نباهة قد يطلب من أعضاء لجنة التصحيح في كل مادة علمية التوقيع على كراسة الإجابة لحماية نفسه وحماية أعضاء اللجنة الذين يقومون أغلب الظن بالتوقيع وهم "مغمضو العينين" لأسباب متعددة، أولها: لأنهم يعتبرون أن تصحيح ورقة الإجابة حق أصيل لأستاذ المادة، وأن مراجعة الدرجة التي وضعها أستاذ المادة ستخلق نوعًا من الحساسية بين الأساتذة، كما أن مراجعة كراسة إجابة قام عضو هيئة تدريس بتصحيحها تعني أن عضو هيئة التدريس المراجع يحتاج للوقت نفسه الذي احتاجه أستاذ المادة.. فضلا عن وجود قاعدة متعارف عليها هي أن التوقيع "الصوري" هو بروتوكول؛ لأنه من العيب أن تراجع ورقة إجابة قام بتصحيحها زميل لك، وأنك إذا راجعت ورأيت اعوجاجًا وأشرت إليه فإنك ستشرب من الكأس نفسه.. وبين ذلك وذلك يضيع حق الطالب إن كان مظلومًا.
الأساس الذي تم على أساسه إنشاء لجان لرصد الدرجات، يقوم على التشكيك في ذمة عضو هيئة التدريس؛ لأن هذه اللجان تقوم بنزع اسم الطالب من على ورقة الإجابة، ثم تعيدها بعد أن يقوم أستاذ المادة بتصحيحها، رغم أن أستاذ المادة الذي يرغب في مجاملة طالب بعينه يمكن أن يطلب من الطالب أو الطالبة أن يترك علامة مميزة في ورقة الإجابة، لا يمكن للجنة التصحيح أن تكتشفها.. ورغم أن العالم الخارجي، والكثير من الجامعات الخاصة في مصر قد هجروا منذ زمن بعيد هذا المنهج، فإن الجامعات الحكومية المصرية ماضية في سعيها نحو منهج تصحيح كراسات الإجابة الذي يقوم على التشكيك في ذمة عضو هيئة التدريس، ولا يضمن في الوقت نفسه للطالب المظلوم حقه.
مضمون عملية التعلم تشكل عائقا بحجم العائق الذي تشكله عملية التعلم، فعلمية تطوير مناهج الكليات معقدة للغاية إن لم تكن شبه مستحيلة، وهذا الكلام ليس مرسلًا، وفتش في ذلك عن إنشاء أقسام جديدة بجامعات قائمة.. فعندما قررت إحدى الجامعات إنشاء قسم للإعلام، كان عليها أن تختار إحدى لوائح ومناهج أقسام الإعلام القائمة، بحلوها ومرها؛ لأن التجرؤ على ما هو موجود ووضع لائحة تتماشى والتطور العلمي، يؤدي إلى التعطيل المتمثل في موافقة مجلس الجامعة، ثم موافقة لجان القطاعات المختلفة، ثم المجلس الأعلى للجامعات، وهي عملية قد تأخذ بضع سنوات.
وغني عن القول أنه لا يوجد هناك لجان لتنقية المناهج وتطويرها، وهي إن وجدت ولم يسمع بها العبد لله، فهي مثلها مثل اللجان الصورية التي لا عمل لها في الحقيقة، وهي إن عملت ستواجه بعوائق.. فهل سمعتم عن أي محاولة لتنقية المناهج الحالية؟.. وهل يعرف رئيس القسم الأكاديمي المادة العلمية التي يدّرسها عضو هيئة التدريس؟
الإجابة هي: ربما.. لكن الثابت أن رئيس القسم لا يسمع عادة، خبرا يتعلق بمنهج من المناهج إلا عندما ترد إليه، أو لوكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، أو لعميد الكلية، شكاوى من الطلاب.. وليس المقصود هنا فرض وصاية على عضو هيئة التدريس.. لكن أما أن العالم اتجه منذ سنوات، بما في ذلك بعض الجامعات الخاصة في مصر، إلى وجود خطة المقرر التي تتضمن أهداف المقرر، والمادة العلمية التي سيدرسها الطالب، ومصادر التعلم وكيفية الحصول عليها، ثم المادة العلمية موزعة أسبوعيًا، ثم النتائج التي يجب أن يتوقعها الطالب والمهارات التي قد يكتسبها بعد انتهاء المنهج.. هذا الاتجاه موجود في كل أنحاء العالم، ومأخوذ به في كثير من الجامعات الخاصة التي تهتم بمضمون التعلم، فأين الجامعات الحكومية المصرية من هذا كله؟
وطالما كانت جميع مقومات التعليم الجامعي في مصر متأخرة، إن لم يكن بعضها خرب بالفعل، فماذا يمكن أن نتوقع من منتجات التعلم؟.. نتوقع خريجين لا يستطيعون المنافسة في سوق العمل الخارجية؛ بسبب ضعف اللغة وضعف المهارات.. خريجين ليس لهم لازمة في سوق عمل داخلية مكتظة.
هذه الحالة من الفشل، أدت بالكثير من الطامحين في مستقبل أفضل، إلى الحصول على درجات علمية أعلى، فكانت النتيجة الآلاف من الدرجات العلمية من الماجستير والدكتوراه، التي تم الحصول عليها وفق نظام "القولبة البحثية" في الكثير من التخصصات، وقد ظن الحاصلون على درجات علمية أعلى من درجة البكالوريوس أو الليسانس، أن الدرجة ستضمن لهم وظيفة، دونما مهارات، ودونما سوق عمل تحتاجهم.. فالدول المتقدمة ترفض أحيانا تعيين الحاصلين على درجات ماجستير ودكتوراه؛ لأن الوظيفة لا تحتاجهم، ويكون الرد على المتقدم لوظيفة ما أن درجته العلمية أو شهادته أعلى من الوظيفة.
الجامعات المصرية لن تتقدم، طالما ظلت حبيسة "توابيت" في نفق مظلم.. هذه التوابيت هي التي جعلت بلدنا العزيزة "بلد شهادات صحيح"، ولكنها شهادات ورقية ليس لها قيمة سوقية.. لن ينصلح حال الجامعات المصرية إلا عندما يقرر القائمون على أمر التعليم العالي، وضع إستراتيجية تهدف إلى الثورة على ما هو قائم، والبدء الفوري في بناء الجامعات المصرية من جديد على أسس علمية وتكنولوجية، أسس توفر الوقت، وتواكب التطور العلمي، أسس يكون الالتحاق بالجامعات فيها حلما ليس بعيد المنال طالما اجتهد الطالب، أسس تضمن التوازن بين سوق العمل وبين عدد الخريجين.. ولأنه في الإعادة فن وإفادة، فإن الإجابة باللهجة العامية، على السؤال المتعلق بمتى وكيف يمكن أن تتطور الجامعات المصرية، هي بالثورة على نظام، نتنفسه كل يوم، نظام أصبح عقل الدولة والجامعات الحكومية.. نظام "عبّي له وإدّي له".
الجامعات المصرية لن تتقدم، طالما ظلت حبيسة "توابيت" في نفق مظلم.. هذه التوابيت هي التي جعلت بلدنا العزيزة "بلد شهادات صحيح"، ولكنها شهادات ورقية ليس لها قيمة سوقية.. لن ينصلح حال الجامعات المصرية إلا عندما يقرر القائمون على أمر التعليم العالي، وضع إستراتيجية تهدف إلى الثورة على ما هو قائم، والبدء الفوري في بناء الجامعات المصرية من جديد على أسس علمية وتكنولوجية، أسس توفر الوقت، وتواكب التطور العلمي، أسس يكون الالتحاق بالجامعات فيها حلما ليس بعيد المنال طالما اجتهد الطالب، أسس تضمن التوازن بين سوق العمل وبين عدد الخريجين.. ولأنه في الإعادة فن وإفادة، فإن الإجابة باللهجة العامية، على السؤال المتعلق بمتى وكيف يمكن أن تتطور الجامعات المصرية، هي بالثورة على نظام، نتنفسه كل يوم، نظام أصبح عقل الدولة والجامعات الحكومية.. نظام "عبّي له وإدّي له".