25 يناير سوف تمر.. الثورات ليس لها موعد !!
عندما تقترب ذكرى ثورة 25 يناير من كل عام نسمع عن دعوات للخروج مرة أخرى إلى الميادين وخاصة ميدان التحرير «أيقونة الثورة المصرية»، والذي شهد عناد المصريين وإصرارهم على رحيل الطاغية مبارك، الذي كان يلقب بملك العناد، وبالفعل وبفضل صمود وتحدي الجماهير المصرية تمكنوا من إجباره على الانصياع لرغباتهم والرحيل من فوق عرش مصر، وبالطبع كانت مطالبهم محقة فهم لم يطلبوا غير «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، وبعد أن حققوا حلمهم في الإطاحة بالطاغية عادوا إلى بيوتهم ينتظرون الفرج، ويمنون أنفسهم بأن رغد العيش سوف يأتى بين اللحظة واللحظة.
وفى ظل غياب الجماهير بدأت القوى السياسية تتصارع على السلطة، فقام المجلس العسكري بالحكم لمدة عام ونصف العام حلت خلاله ذكرى واحدة للثورة حاولت خلالها بعض القوى السياسية الدعوة للخروج مرة أخرى للثورة لكن محاولاتهم فشلت ومرت الذكرى الأولى بسلام ذلك؛ لأن الثورة لا تتم بموعد مسبق، فالثورة الأولى كانت دعوة من الشباب للخروج اعتراضًا على ممارسات الشرطة، وكان الموعد هو عيد الشرطة السنوى وتعاملت الشرطة بغباء، أدى إلى تصاعد الأحداث وحدوث الانفجار الذي تحول إلى ثورة بركان عارمة.
وتمكنت جماعة الإخوان من الانقضاض على السلطة وحاولوا أخونة مؤسسات الدولة، لكنها كانت عصية عليهم نظرًا لهيمنة وسيطرة رجال فساد نظام مبارك على أركانها، حيث عششوا في كل أرجائها ولم يمكنوا الإخوان من أن يحلوا محلهم، وفى ظل حكم محمد مرسي جاءت الذكرى الثانية للثورة، وتكرر السيناريو مرة أخرى، حيث دعت بعض القوى السياسية المتناحرة على السلطة للخروج إلى الميادين وحدثت بعض الصدامات مع أنصار الجماعة الإرهابية، لكن النتيجة النهائية كانت الفشل مرة ثانية؛ ذلك لأن الثورة لا تتم بموعد مسبق، ومادامت الجماهير غائبة فإن أي محاولة للثورة تكون مستحيلة بل درب من دروب الخيال.
وتعامل الإخوان بغباء شديد ولم يتمكنوا من تحقيق أحلام البسطاء من الجماهير الشعبية وضيقوا الخناق حول رقاب الفقراء والكادحين، وقامت قوى الثورة المضادة المتمثلة في رجال نظام فساد مبارك المسيطرين على مفاصل الاقتصاد وعلى كل مؤسسات الدولة بالعمل ضد الإخوان، وهو ما أدى إلى انهيار قدرة الجماهير على الصبر وعندما وجدوا الشباب يدعون للتمرد في 30 يونيو وأن هناك دعمًا من الجيش لتحركهم ضد الإخوان فكان الخروج للإطاحة بمرسي والعودة مرة أخرى لانتظار الفرج رغبة منهم في تحقيق «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية المفقودة».
وجاءت الذكرى الثالثة للثورة في ظل حكم الرئيس المؤقت عادلى منصور، وبدأت بعض القوى السياسية المحسوبة على جماعة الإخوان الدعوة للخروج للميادين والقيام بثورة جديدة، لكنهم فشلوا أيضًا لأن الثورة لا تتم بموعد مسبق، ومادامت الجماهير لم تخرج فلا توجد ثورة، ومرت الذكرى الثالثة بسلام على أمل أن تتحقق للجماهير الشعبية أحلامهم في «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، وكان صبرهم بسبب ما تم تصديره لهم عبر وسائل الإعلام المملوكة لرجال فساد نظام مبارك بضرورة الصبر حتى ننتهى من خطوات ومراحل خارطة المستقبل التي بدأت بإعداد الدستور ثم الانتخابات الرئاسية ثم الانتخابات البرلمانية، وبالطبع كانت التحذيرات الدائمة للجماهير بعدم الاستجابة لأى دعوة للخروج للثورة وإلا ستكون دعمًا للجماعة الإرهابية.
وبالفعل استجابت الجماهير ودعمت الدولة وصبرت حتى تمت المرحلتان «الأولى والثانية» من خارطة المستقبل وتم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي وفى بدايات حكمه جاءت الذكرى الرابعة للثورة وكانت الجماعة الإرهابية جاهزة تعد العدة للقيام بثورة جديدة في نفس الوقت لكنها فشلت أيضًا؛ ذلك لأن الثورة لا تتم بموعد مسبق، حيث أدركت الجماهير أن الرئيس الذي جاءت به لابد أن تمنحه الفرصة كاملة لتحقيق أحلامهم في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
وستحل بعد أيام الذكرى الخامسة للثورة ونتوقع أيضًا أن تمر بسلام وسوف تفشل كل الدعوات التي تنادى بالخروج للثورة؛ ذلك لأن الثورة لا تتم بموعد مسبق، ولكن لابد من تأكيد أن الذكرى الخامسة تأتى في ظل بدايات تسرب اليأس لنفوس الجماهير الشعبية خاصة الفقراء والكادحين الذين تزداد معاناتهم يومًا بعد يوم، فقد بدأت هذه الجماهير تفقد الأمل في تحقيق أحلامها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بعد أن انتهت المرحلة الثالثة من خارطة المستقبل لتعيد رجال فساد نظام مبارك إلى مواقعهم القديمة ليس بالطبع من خلال نفس الوجوه القديمة لكنه من خلال صبيانهم.
وفى نفس التوقيت يصدر حكم نهائي يدين مبارك وولديه في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«القصور الرئاسية»، وهو ما يعنى أن الرجل وأسرته وحاشيته قد سرقوا قوت الشعب، وعلى الرغم من ذلك مازالت العصابة مسيطرة ومهيمنة لذلك لا أمل في المستقبل، وعلى الرئيس السيسي أن يدرك ذلك جيدًا، وليعلم أن 25 يناير سوف تمر لكن غضب الجماهير المكتوم يمكن أن ينفجر في أي وقت، فالثورات ليس لها موعد.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.