«مجلس النواب».. إن هلكنا فهو العدل
مشاهد مخزية لا تثير الضحك بأي حال من الأحوال، ساعات وأنا أتابع أولى جلسات البرلمان، أعرف مسبقًا ماذا يحدث وأنه ليس سوى سيرك - وفق تصريح الكاتب الكبير عبد الله السناوي - لكن مدى الوجع لا يمكن إدراكه إلا بالمشاهدة، العين دومًا لا تستطيع إخفاء الحقائق، كوميكسات الصفحات الساخرة تعبيرًا عن شر البلية ما يضحك.
دعك من كل الأسباب التي أدت إلى هذا المجلس فهي مبررات ليس أكثر، الدلالات واضحة لدينا قلة مستنيرة لكنها عاجزة حتى أن تقول لا، أن تمنع خطأ، أمامنا الآن من يمثلون مصر، من حازوا ثقة الجماهير في النجوع والقرى، لا تصدعني بمقولة الديمقراطية كلنا يدرك كيف تمت العملية الانتخابية برمتها، ولا تحدثني أيضا عن أن الديمقراطية وليدة وأنها لا بد أن تأخذ حقها؛ لأن من ذهبوا لينتخبوا هؤلاء لو جلسوا مائة عام لن يتقدموا بالدولة شبرًا واحدًا.
لا ألوم أحدا ولا أعاتب نظاما بعينه إن كان إخوانيًا أو مباركيًا أو ناصريًا أو حتى سيساوي، الصورة اكتملت الآن وأدرك أن حزب الكنبة يتحرك دومًا لكننا كنا واهمين، هم يتحركون ليأتوا بهؤلاء نوابا عنهم، فرصتهم كانت ثورة يناير فأضاعوها، الحديث عن أن المجلس به أصوات حرة ويجب النظر إلى نصف الكوب المملوء سخافة، القلة لن تقر قرارًا واحدًا.
الآن أفرغت الضيق الذي في صدري، قررت بيني وبين نفسي ألا أكتب عن هذا المجلس وأتمنى الإيفاء به، وإن كانت مغريات الأحداث ستدفعني إلى الكتابة، لكن الآن وبعد أن صرخت وصببت غضبتي على نفسي أولا وعلى جميع من تسبب في هذا المشهد، سطع في رأسي سؤال آخر سأشارك به الجميع حتى يعلم مدى المشكلة التي نحن أمامها.
هذا المجلس بنوابه سيكونون مسئولين عن 4 ملايين مريض من فيروس سي و17 ألف مريض نفسي و7 ملايين مريض سكر، مسئولين أن يوفروا لهم العلاج ويرحموهم من التطلع على أبواب المستشفيات، ويعاقبوا أي وزير صحة لا يخدمهم، وأن يحاوطوه إذا توفى أحدهم؛ لأنه لا يملك حق العلاج، ومسئولين عن أن يدرك كل مواطن أن لديه بلدا لن ترمي جثته في النهر أو تجمدها في المشرحة بعد وفاته.
هذا المجلس مسئول عن 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، فليضعوا الآليات التي تعينهم على حياة كريمة وفق الدستور، ويمنعوهم من البهدلة في قوارب الهجرة غير الشرعية، والنوم بدون عشاء، وينتشلوهم من الكباري التي ينامون تحتها في عز الشتاء.
هذا المجلس مسئول عن تعديل منظومة القوانين الخاصة بالمرأة والطفل، وأن يرحمهما من ذل محكمة الأسرة، وأن يضع من القوانين ما يردع مغتصب طفلة أو ضاربا لامرأة.
هذا المجلس مسئول عن أن يصلح منظومة الطرق، وأن يغلقوا المزلقانات غير الشرعية ويرحموا المصريين من طرق الموت، ويُوقفوا نزيف المصريين على الأسفلت حتى صرنا أول دولة عالمية في حوادث الطرق.
هذا المجلس مسئول عن أحلام الشباب الذين يمثلون أكثر من 50%، وأن يمنحوهم الأمل ويمنعوهم من حبل الانتحار أو الهجرة، وأن يؤكدوا لهم أن مكانهم المستقبل لا الماضي.
هذا المجلس مسئول عن أن يضع إستراتيجية لمواجهة الإرهاب بعيدًا عن المواجهة المسلحة، وأن يصيغوا حياة فكرية تمنع الأفكار السوداء أن تدخل القرى والنجوع.
هذا المجلس مسئول عن وضع تصور لأزمة مصر المائية التي ستبدأ عام 2017، وأن يكون لهم دور واضح في قضية سد النهضة.
هذا المجلس مسئول عن أن يرسم خريطة مصر الخارجية وموقفها من التحالفات الدولية بالطريقة التي تحدد مصالحها، ودون أن يكون هناك تبعية لأحد على أحد.
هذا المجلس مسئول عن أن يقول للرئيس لا إذا كان هناك أي اختراق للدستور، أو هناك فرض إرادة سلطة تنفيذية على سلطة منتخبة للشعب.
انظر لتلك الصورة وتلك المطالبات، وضعها جنبًا إلى جنب مع النواب الحاليين، وبعد أن تعبر عن رد فعلك ستخرج بنتيجة واضحة، إن نجونا فهي الرحمة، وإن هكلنا فهو العدل!