رئيس التحرير
عصام كامل

أرباح على الفشل!


كل شيء عجيب تجده في بلادي، ومن العجائب أن تكون معظم قطاعات الدولة خاسرة ولا تحقق مكاسب، ومع ذلك تقوم بمنح حوافز شهرية للعاملين، وأيضا أرباح سنوية لهم، رغم أنهم لا يعملون بل إن معظمهم لا يذهب إلى العمل أصلا إلا للحصول على مستحقاته المالية أو للتظاهر والإضراب والاعتصام.


ملايين العمال والموظفين لا عمل لهم، يتقاضون كامل مستحقاتهم ويستوي في ذلك الجميع، من يعمل مع من لا يعمل، بل إن أصحاب الصوت العالي غالبا من مثيري المشاكل هم من يحصلون على أكثر مما يستحقون، هي نوع من الكوميديا ولكنها سوداء أو ضحك كالبكاء، كما قال المتنبي: "وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء".

كما أن هناك ظاهرة غريبة لا تجدها أيضا إلا في مصر، وهي أن كل مواطن حلمه أن يعمل في الحكومة، وحينما يتم تعيينه لا يرضى بعمله ويريد أن ينتقل منه إلى عمل آخر أو إلى أقرب مكان لمنزله؛ حتى لا يعمل أو لا يذهب إلى عمله ويتقاضى راتبه كاملا، هي أصبحت ثقافة موروثة في الشخصية المصرية لاستحلال أموال الدولة؛ اعتقادا أنها أموال الحكومة وحلال سرقتها أو الحصول عليها بدون وجه حق، رغم أن الحكومة ليس لديها أموال تنفق منها بل هي أموال الشعب وممتلكاته، والحكومة دورها فقط هو تحصيلها وإنفاقها فيما يفيده.

هذا خلل كبير في الجهاز الإداري للدولة، يجب أن تكون هناك سياسة واضحة وحازمة للثواب والعقاب، وأن يتم ترسيخ هذا المفهوم على الأقل لدى الشباب، فمن يجتهد يجني ثمار اجتهاده، وتلك مسئولية كل أجهزة الدولة.

يأتي التعليم في المقدمة الذي أصبح شكلا بلا مضمون، ثم يأتي دور الأسرة والإعلام والثقافة والفن، وللأسف الشديد كل هذه المؤسسات حاليا اتفقت واجتمعت على تدمير الشخصية المصرية وترسيخ القيم السلبية والفهلوة في نفوس النشء، وأصبحنا نبحث عن حقوقنا قبل واجباتنا، ونفضل المصلحة الشخصية على الصالح العام، رغم أنه إذا ضاع الوطن فلا وجود للمواطن.

الجهاز الإداري للدولة هو فعلا تحدٍ كبير أمام التنمية كما قال الرئيس السيسي، ويحتاج إلى إعادة هيكلة بالكامل، وقطاعات الدولة التي تحقق خسائر بالمليارات يجب أن تسعى إلى وقف نزيف خسائرها، وإن لم تستطع تحويلها إلى مكاسب على الأقل أن تنفق على نفسها حتى لا تكون عبئًا على موازنة الدولة، يجب وقف حوافز أرباح قيادات القطاعات الحكومية الخاسرة؛ لأنهم فاشلون في الإدارة، فبدلا من إقالتهم من مناصبهم نقوم بمكافأتهم على الفشل، ويحصلون على عشرات الآلاف أرباحا وحوافز شهرية وسنوية، فلماذا يعملون إذن إذا كانوا يحصلون على كامل مستحقاتهم؟

شيء لا يصدقه عقل، أن تقوم الهيئات الخاسرة بالاقتراض أو السحب على المكشوف من البنوك؛ من أجل منح قياداتها وموظفيها أرباحا على الفشل، إذا استمرت الأمور هكذا، فلماذا إذن يحاول الفاشلون الاجتهاد والعمل وتحويل خسائر قطاعاتهم إلى مكاسب؟

الحوافز والأرباح يجب أن تكون على النجاح والإنجاز، وليست على الفشل والخسارة.
الجريدة الرسمية