رئيس التحرير
عصام كامل

مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية: تركنا إثيوبيا تبني السد ثم تحركنا بعد وقوع الواقعة

فيتو

  • مشروع نهر الكونغو وهم كبير 
  • الخيار العسكري غير مطروح والتفكير في ضرب السد غير حكيم
  • من الخطأ الاعتماد على مكتبين استشاريين متناقضين 
  • إثيوبيا ترفض التعهد كتابيا بالحفاظ على حصتنا.. والتحكيم الدولي ليس في صالحنا
  • يمكن للسعودية أن تلعب دورا لصالح مصر مع إثيوبيا والسودان
  • من حق البرلمان المصري رفض اتفاق المبادئ مع إثيوبيا
  • وتيرة البناء للسد تسير أسرع من المفاوضات لفرض سياسة الأمر الواقع
  • المطالبة بوقف البناء حتى نحصل على الدراسات تمثل فرصة ذهبية لإثيوبيا 
  • لدينا شح مائي ولو تأثرت حصتنا من المياه سنواجه جفافا شديدا
  • نعترف بحق إثيوبيا في التنمية ولكن ليس على حساب الإضرار بحصتنا من المياه
  • اللجوء للتحكيم الدولي يشترط طلب الطرفين ومصر حريصة على الشكل الأخوي 
  • تدخل الرؤساء في مصر وإثيوبيا والسودان ضروري لتحريك ملف الأزمة
  • "العدل الدولية" أوقفت بناء سد لإثيوبيا مع كينيا منذ سنوات قليلة


تعد إحدى شهود العيان على أزمة ملف سد النهضة، بحكم عملها كمساعد لوزير الخارجية للشئون الأفريقية واقترابها من المفاوضات التي دارت في مرحلة سابقة لإعادة مصر إلى قلب قارتها الأفريقية، بعد محاولات البعض الزعم بتجاهل مصر لدورها داخل القارة الأفريقية من خلال مبادرة (تجمعنا قارة).

السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية والأمين العام للمجلس القومي للمرأة، كشفت في حوار لـ"فيتو"، عن تخوفها من مماطلة إثيوبيا عقب انتهاء الدراسات الخاصة بالسد المقرر مدتها بـ11 شهرًا، مطالبة بتنفيذ بنود اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعها رؤساء الدول الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) في الخرطوم.

وقالت إن مصر قد تلجأ إلى المحافل الدولية لحل أزمة سد النهضة، اعتمادًا على البند الأول من ميثاق الأمم المتحدة وهو حق الشعوب في البقاء؛ حيث سيتسبب السد في الفقر المائي لمصر، مؤكدة على أن تعهدات إثيوبيا حول سد النهضة إيجابية، ولكن ما ينقصها هو أن تكون كتابية وليست شفهية، وغيرها من الحقائق التي كشفت عنها في سطور الحوار التالي:-

** في البداية ما هي الأبعاد الحقيقية لأزمة سد النهضة وهل المفاوضات المصرية تسير في الطريق الصحيح؟
القضية أن مشروع سد النهضة جعل إثيوبيا تحاول عدم الالتزام بحصة مصر التاريخية في مياه النيل مع تكاثر أعداد السكان، وكان إنشاء منظمة دول حوض النيل من جانب مصر، وفي اتفاقية عنتيبي، وافقنا على نحو 98% من شروطها، ورفضنا البنود الخاصة بالتوزيع العادل لمياه النيل، لأن بلدًا مثل مصر مصدره المائي الرئيسي نهر النيل، أما بلاد أخرى مثل إثيوبيا وأوغندا فلديها أمطار، وإثيوبيا لديها أنهار أخرى، أما مصر فظروفها مختلفة ومعظم الأرض هنا صحراء، فكيف تتساوى البلدان في حصة المياه؟، وبالفعل نحن لدينا فقر مائي دون أن ننتظر بناء سد النهضة، والدليل أننا وجدنا بعض الفلاحين يتحدثون عن نقص المياه في الأراضي الزراعية؛ لأن عدد السكان يزيد سنويًا ولا تزيد حصة المياه، مع مراعاة سوء استخدامنا للمياه منذ فترة طويلة.

وتحويل مجرى نهر النيل لم يكن مفاجئًا، وجرى الحديث عنه منذ سنوات، وكان الأمر متوقعًا في أي لحظة، وهي مشكلة قائمة منذ سنوات وليس بها جديد، وسد النهضة تحدثوا عنه منذ سنوات وتحدث عنه رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي، مع وفد الشعبية الدبلوماسية ومع الكثير من المسئولين قبل وبعد الثورة، ولكن الجديد في هذا الموضوع التوقيت الخاص بتحويل مجرى مياه نهر النيل الأزرق، وكل الإجراءات التمهيدية كانت تجرى في الماضي، أما عن مفاوضات الأزمة فقد بدأت تسير بشكل سليم في الطريق الصحيح، وأجريت جولة من المفاوضات وبدأنا نضع أقدامنا على الطريق الصحيح، وتطرقت إلى التفاصيل الفنية دون التطرق للأمور الجوهرية والاعتماد على مكتبين استشاريين متناقضين لا يتفقان، وهنا أوجه اللوم لمصر لأنها لم تتخذ موقفا جادا وحازما منذ فترة طويلة، وتركت الجانب الإثيوبي ينجز نحو 48% من بناء سد النهضة، لكننا لدينا العديد من الحجج والأسانيد والحق التاريخي في التصدي لهذا الأمر.

** هل هذا يعني أن مصر أخطأت في توقيع مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟
لا ليس خطأ، ولكن كل المتابعين للقضية يجدون أن وتيرة البناء في سد النهضة تسير بطريقة أسرع وأعلى من سير المفاوضات، ومع ذلك مصر لم تخطئ بالتوقيع على مذكرة التفاهم؛ لأنه إطار عام يساعد على بناء الثقة ويضع مبادئ للتحرك، فالجانب الإثيوبي يريد الاعتراف بسد النهضة وسواء اعترفنا أو لم نعترف فهو موجود، وقد حصلنا على مميزات بإقرار الإثيوبيين بوجود إدارة مشتركة والدخول في عداد التخزين، وهذا التفاوض شاق، لكن إثيوبيا لم تعترف بحصة مصر، وإن كانوا تحدثوا عن حصولنا على احتياجاتنا من المياه ولكن المهم هنا هو التنفيذ. 

** إذا كانت المفاوضات ناجحة فلماذا هذه الضجة وأين المشكلة؟
نعم المفاوضات ناجحة لكن المشكلة أن إثيوبيا لا تلتزم بتعهدات، وهذا ما يعيب المفاوض المصري، فالمسئولون الإثيوبيون قالوا لن نضر بحق مصر والسودان ولكنهم يرفضون التوقيع على تعهدات بذلك من أيام الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل، ولم توافق عليه مصر والسودان والكونغو خاصة أن الجانب الإثيوبي كان يرى أن الاتفاقيات السابقة كانت أيام الاستعمار، وبالتالي لا يعترفون بها ورغم مخالفتهم للقانون الدولي إلا أن الأمر يحتاج إلى مرونة قبل تحويل المجرى، وبالتالي هم يريدون أكبر مصلحة لبلادهم فيعلون بسقف المطالب حتى يصلوا إلى ما يريدون.

** ما حقيقة أن عدم الوصول لاتفاق لهذا الملف يعرضنا للشح المائي؟
نحن بالفعل لدينا شح مائي؛ لأن احتياجات المواطن ألف لتر ويحصل على 800 لتر فقط، ولو نقصت حصتنا سنكون معرضين لجفاف، سيكون مأساة للقارة والعالم، ما قد يدفع المصريين للنزوح للخارج. 

** هل أصبحت مصر تتعامل مع السد على أنه أمر واقع؟
هذا صحيح بالفعل نتعامل مع سد النهضة على أنه أمر واقع، لكن من حقنا التصدي ومنع أي ضرر لأبناء الشعب المصري، وهذا الملف تديره وزارة الري ومعها التعاون الدولى والخارجية والزراعة، من خلال اللجنة العليا لمياه النيل، ولكننا حتى الآن لم نر أي نجاح، خاصة أن إثيوبيا انتهزت فرصة الأوضاع الماضية التي كانت مسيطرة على تفكيرنا من ظروف الإرهاب وضرب الاقتصاد، التي جعلتنا نهمل الخارج فاستغلها زيناوي وبدأ بناء السد وتحويله. 

** البعض هلل لمشروع نهر الكونغو فكيف ترين ذلك؟
مشروع نهر الكونغو وهم كبير، وكان لا يفترض أن نتحدث عنه؛ لأننا اتخدنا قرارا في الوحدة الأفريقية بمنع نقل مياه من حوض إلى خارجه، والكونغو لديها قرار بمنع نقل المياه، أضف إلى ذلك التكلفة الاقتصادية والطبيعة الجغرافية التي تجعل من تنفيذه أمرا مستحيلا، وهذا يعطي فرصة للبعض للقول إنه يعوض نقص المياه. 

** هل يمكن للسعودية أن تقوم بدور للضغط على السودان وإثيوبيا للوقوف بجانب مصر في هذه الأزمة؟
نعم السعودية ودول الخليج يمكنهم لعب دور الضاغط على إثيوبيا من خلال استثماراتهم، وستكون هذه الضغوط مؤثرة، أما السودان فمازلت أعتبرها الأقرب لمصر من أي دولة أخرى وتكاتفهم سيؤثر في المفاوضات.

** هل تعتقدين بوجود دور لإسرائيل في أزمة ملف سد النهضة؟
لا فالإثيوبيون هم أصحاب القرار في بناء سد النهضة باستقلالية تامة، وقد خدمت في إثيوبيا فهم يبحثون عن مصالحهم حتى إن كان الأمريكان والإسرائيليون يعارضون ذلك، وإعادة مصر لدورها الريادي في أفريقيا لن تحدث في ظل ضعف الإمكانيات التي تساعد في التنمية والتمويل.

مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كانت تقود المنطقة الأفريقية من خلال دعم حركات التحرر، وكانت هناك دول أفريقية لم تستقل بعد، وكنا نفتح مكاتب للحركات التي ترغب في التحرر، أما الوقت الحالي فلا توجد دولة محتلة في أفريقيا، ولم يعد هناك أي حديث عن الحرب والدعم، وأصبح هناك روسيا وأمريكا والظروف الدولية تغيرت، وأصبحت الدول الأفريقية تريد تنمية وتوسيع البنية التحتية لها من خلال الدعم والتمويل، ومصر ليس في يدها ما يساعد الدول الأفريقية، وليس لديها الإمكانيات المادية مثل أوربا وأمريكا، ولكن مصر تشارك بالخبرات المصرية، وهذا الموضوع ليس جذابًا للإعلام، على الرغم من أن هناك العشرات من المصريين الذين ساهموا في بناء الوزارات والأجهزة الحكومية، وهناك تعاون في كل المجالات؛ حيث يوجد نحو 8 آلاف خبير مصري، وكنا نشارك في عملية تنمية الدول الأفريقية.

** هل ينصف التحكيم الدولي مصر من أجل الحفاظ على حصتها من المياه؟
اللجوء إلى التحكيم الدولي من أهم شروطه أن يطالب به الطرفان، وبالتالي نلجأ لمجلس الأمن أو الأمن والسلم الأفريقي ومحكمة العدل الدولية، وهذا سيتوقف على الضغط الذي ستنفذه مصر، ففي حالة الحصول على قرار من مجلس الأمن، أو حكم من محكمة العدل الدولية، سيتم وقف بناء السد، حيث أوقفت محكمة العدل الدولية قبل ذلك بناء سد لإثيوبيا مع كينيا منذ سنوات قليلة؛ لأنه كان له آثار سلبية، فضلًا عن وجود إجراءات كثيرة من الممكن أن نتخذها، ومصر حريصة حتى آخر لحظة مع الجانب الإثيوبي على أن تتم جميع الاتفاقيات بالتراضي، وأعتقد أنه لا يجب أن تفكر مصر في ضرب السد لأنه تفكير غير حكيم ويضع مصر في صورة دولة معتدية، فهناك العديد من الوسائل الأخرى التي يمكن استخدامها.

** وما هي أسوأ السيناريوهات الممكنة في هذا الملف؟
أزمة سد النهضة تعد قضية أمن قومي بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد، والحل أن يجتمع الرؤساء الثلاثة في قمة ثلاثية تجرى في أي من بلدانهم بناء على التقارير التي جرى جمعها، وأن يلتقوا ويصلوا معًا إلى الاتفاق السياسي، ومن مصلحتنا أن نتعاون ونتكاتف لحل القضية، خاصة أن أسوأ سيناريو هي أن تتوقف المفاوضات لإصرار إثيوبيا على عدم وقف بناء السد بشكل مؤقت، وهذا سيجعلنا نلجأ للمحافل الدولية لأن مصر حريصة على أن يتم التفاوض بشكل أخوي وسلمي، دون اللجوء للتدخل الخارجي، ودخول طرف ثالث يدول المشكلة ويعطي الفرصة لأطراف أخرى لإشعال الملف وعموما الخيار العسكري لدى مصر غير مطروح، ومطلوب توطيد العلاقات وإعادة بناء الثقة بين الجانبين حتى يتفهم كل طرف موقف الآخر.
 
** البعض يشير بأصابع الاتهام إلى عهد مبارك بإهمال أفريقيا مثلما كان يفعل عبد الناصر؟
أنا ضد أن نجلد أنفسنا ونوجه الاتهامات لأنفسنا بشكل غير صحيح، كانت هناك مشكلة ومحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا أدى إلى نقطة ضعف في السياسة الخارجية، وقبل 93 كان مبارك يشارك في كل القمم الأفريقية وكان لدينا نشاط من مختلف الوزارات من أحمد نظيف وفايزة أبو النجا ودورات تدريبية للأفارقة، ومنح دراسية و8 آلاف خبير مصري منتشرين في أفريقيا، والوزير أحمد أبو الغيط كان له اهتمام بالقارة الأفريقية وقمنا بزيارات ثنائية وصلت إلى 44 زيارة ثم قامت الثورة وحدث انكفاء على الشأن الداخلي، ثم جاء الإخوان وكانوا وبالا على الشعب المصري والسياسة الخارجية وكان لنا مواقف ذات صبغة دينية وتوجه إخواني. 

** هل من حق مجلس النواب رفض إعلان المبادئ، وما هو الموقف وقتها؟
إعلان المبادئ من الممكن أن يرفضه مجلس النواب ولا يوجد ما يمنع، بينما لا بد أن نأخذ في الاعتبار، أنه سيكون بها نوع من الحرج الدولي تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لأنه من وقع على الاتفاقية، لكن هذا الأمر قد يحدث؛ لأن الرفض سيكون مبررًا بسبب طول المفاوضات، والمبادئ العشرة لم يتحقق منها شيء على الإطلاق، والجانب الإثيوبي لم ينفذ التعهدات.

لكن حال حدوث ذلك، سننتقل لمرحلة تصادمية، بعد العمل على أرضية للتفاوض، ولا بد من اتخاذ خطوة مثل هذه بعد اتخاذ كل الخطوات الأخرى، وأن تكون مصر يئست بالفعل، وأعتقد أن مصر لم تيأس حتى الآن.
الجريدة الرسمية