رئيس التحرير
عصام كامل

أيها السيلفي اللعين ما يصحش كدة


تعجبت من الصورة السيلفي التي اتخذها شابان مصريان في دبي وخلفهما حريق كبير شب في أحد الفنادق، صورة سيلفي في هذه اللحظة المريعة ليتباها بها في صفحاتهما على فيس بوك، وما وجه التباهي في هذا؟، وأي ابتسامات وقحة تلك التي ارتسمت على وجهيهما، ضاربة بكل الأعراف الإنسانية عرض الحائط، ومحطمة صورة المصري الطيب الشهم التي يشهد بها التاريخ على مر العصور مع الدول العربية؟

ليست الدهشة هنا هي عدم احترام الشابين لمصاب الدولة التي يقيما بها، ولهما فيها لقمة عيش، وإنما في قدرتهما على التفكير في هذه الفكرة في لحظة حريق، ربما يكون ضحيته أرواح بشر قدر لها أن تموت محروقة.

إن هناك تغيرا ما قد طرأ على بعض الشخصيات المصرية والعربية بشكل عام، جعل السليفي أهم من أرواح الناس، ورسم لنا طريقا مريرا من الاستهتار.

وعادت إلى ذاكرتي حادثة السائحين المكسيكيين، وكيف كان رد فعل بعض الناس السريع المباشر باتهامهم بالتجسس دون أي معلومات رسمية مؤكدة، ذلك الانسياق الذي أراه أقرب إلى التعصب منه إلى الوطنية.. الذي لاحظته أيضا في حادثة طائرة شرم الشيخ الروسية، حين تعالت الصرخات بأنها مؤامرة لضرب الاقتصاد المصري، وقد كانت بالفعل مؤامرة، ولكننا لم نظهر حزنا على أرواح 220 شخصا قتلوا جميعا في لحظة واحدة، مطبقين نفس فكرة السيلفي اللعينة، العملة الصعبة التي تأتينا من السائحين هي ما تهمنا ولكن أرواحهم لا تعنينا.

وعلى الجانب الآخر، في تفجيرات نوفمبر الماضي بفرنسا اندفع البعض بعرض صور وآلام سوريا التي لم يتعاطف معها العالم، نعم العالم منافق وتحكمه لغة المصالح، وظهر هذا جليا في مسيرة يناير الماضي بعد حادثة شارل إيبدو، نعم العالم اعترف بدموع باريس ولم يعترف بدماء سوريا، ولكن باريس تعافت وسوريا لم تتعاف، فهل مازلتم تتناقلون صور الألم أم نسيتوها وعدتم لحياتكم في انتظار تفجيرات تصيب أمريكا أو إنجلترا لتعيد إليكم ذكرى سوريا؟

تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي، التهاني بأعياد الميلاد في الوقت الذي تناقلت فيه أيضا فيديو لتحطيم شجرة عيد الميلاد بمول العرب، والمدهش لم يكن الأطفال الذين تعلقوا بالشجرة وصعد خلفهم شباب برشاقة، وإنما للجمع الغفير من المشاهدين المشغولين بالتصوير ولم ينطقها أحد بصوت عال ما يصحش كدة.. إن هذا التناقض يبدو مخيفا ويحمل ملامح خطر يداهمنا ونحن نخبئ الرءوس كي لا نراه.

هل يعقل أن تلتقط صورة سيلفي أمام حريق لفندق في بلد عربي شقيق، وتخرُّب شجرة عيد الميلاد، ولا نتعاطف مع دماء الغرب التي تأتي إلينا زائرة عاشقة لحضارتنا، وبعد ذلك نريد من العالم أن يتعاطف معنا ويبكي لأجلنا ويحل لنا كل قضايانا؟
الجريدة الرسمية