رئيس التحرير
عصام كامل

عاش أبونا «باخوم» مُوَحِّد الأديان


يشرق عيد الميلاد، فتكسو الوجوه إشراقة السرور.. أسعد لسعادة جيراني وأصدقائي، وكل من أعرفه من إخوتي المسيحيين، وأشاركهم السعادة بقلب منشرح.


طوال عمري لم تراودني "حكاية" مسيحي ومسلم على الإطلاق.. كم هو بغيض وكريه ومثير للتوتر بل القرف، إن جاز التعبير.. أتحدث عن مصطلح "الفتنة الطائفية".. كما لا أستريح البتة لمصطلح "عُنصرَيْ الأمة".

بشيء من رَوِيَّة وتركيز، بإمكانك أن تدرك أن المصطلحين يقفزان إلى السطر الأول في حياتنا في أوقات وأماكن يتم اختيارها بعناية وخبث، وسوف تشاركني هواجسي بأن هناك من يمسك بريموت كونترول لتحريك الأحداث في ذلك الاتجاه.. في النهاية أحمد الله أنها تمر على خير، صحيح تترك خدوشًا، لكنها دون الجراح.. ثم يحتل الحديث عن المواطنة مساحة محسوسة، ويدلي كل من دَسَّ وطَسَّ فيها بتقديرات وتنظيرات سطحية، ضررها أكثر من نفعها.

المواطَنة في مصر لا تحتاج تنظيرًا.. المواطنة في مصر نموذج فريد.. المواطنة في مصر ليست خارطة طريق تضع حدودا ومسافات للحقوق والواجبات وتفاصيل التعامل اليومي.

دائما أقول وأكرر.. إنها حالة تسكن الوعي والوجدان الجمعي المصري، بصورة غاية في القوة والروعة والثبات، وليست بحاجة إلى بروتوكول وبرنامج عمل.. هي باختصار ضفيرة إنسانية رائعة وفريدة.

على الصعيد الشخصي ومثلي ملايين، أعز وأجمل أصدقائي مسيحيون (كلهم أرثوذكس ما عدا اثنين).. لنا معا ذكريات ما بين الأفراح والأتراح وتفاصيل حلاوة العِشْرَة في سنوات البراءة والطيش والشباب حتى الكهولة.

لن أنسى في مراسم جنازة صديقي المهندس ماهر إقلاديوس بكيت بمرارة ولوعة، وأخبرني صديق أن قسيس الكنيسة ظن أنني شقيقه.. ودائما ما كنت أشارك صديقي العزيز طيب القلب، الراحل عبدالمسيح منصور، في حل أسئلة مسابقات ثقافية دينية تنظمها كنيسته، وكنت أنجح في الإجابة عن أسئلة كثيرة.. وذات ليلة هددته بأنني سأفضحه في حضرة "أبونا" إذا لم يسجل اسمي ضمن المشتركين بالمسابقة، لأني ضمنت الفوز بإحدى الجوائز.. الجميل أنه بادر وحكى للقسيس ما دار بيننا، فقال له قل لصديقك محمد إننا علقنا كشف الجوائز بالكنيسة، وأضفنا عليها رحلة عُمْرَة عشان خاطره.

جاري جورج، وصديقي للآن، من أحب وأعز وأخلص أصدقائي منذ الصغر.. لم نلتفت يومًا إلى نَسَق مسيحي ومسلم.. في مطلع الشباب جمعتنا الشقاوة والصعلكة.. ذات يوم فاض الكيل بأهله فشكوه لـ"أبونا باخوم" قسيس كنيستهم، المحبوب لدى أهل الحي، إذ كان ودودًا ومجاملًا للجميع، ومهابًا لدى إخواننا النصارى.. عقد أبونا باخوم جلسة نصح وإرشاد مع صديقي جورج الذي وعده بالإقلاع عن الشقاوة والسلوك الأخْرَق.. في اليوم التالي تبخرت النصيحة، التقيت بجورج في جولة تسَكُّع كالعادة.. وأثناء مرورنا بأحد الشوارع الجانبية، وبينما كنا غارقين في الضحك، خيَّم الصمت على جورج فجأة وتطَلَّع بذعر إلى الأمام وقال: يا نهار أسود.. أبونا باخوم مقابلنا من بعيد، ثم استدار للخلف مُطلقا ساقيه للريح، وأنا بجواره أسابق الريح أيضًا. 

وعندما ابتعدنا وصرنا في مأمَن، إذا بجورج يكاد يموت من الضحك، فسألته بدهشة شديدة وأنا ألهث: إيه اللي بيضحكك قوي كده يا جورج؟.. التقط أنفاسه بصعوبة ثم قال: اللي بيضحكني إني بجري من "أبونا" باخوم علشان أنا مسيحي، إنما إيه اللي خلاك تجري وإنت مسلم؟!.. ودون أن أدري هتفت: "عاش أبونا باخوم موحِّد الأديان".

كل سنة وكل المصريين بخير.

الجريدة الرسمية