رئيس التحرير
عصام كامل

برهامي وجريمة قتل الداعشي لأمه!


قتل الداعشي المجرم أمه التي حملته وهنًا على وهن!!.. قتلها أمام جمع من الناس بقلب بارد ودم أكثر برودا، وبجبروت وتجبر ما بعدهما جبروت ولا تجبر!!.. قتل من حملته في بطنها وتحملت آلام المخاض وأرضعته وسهرت عليه طفلا وصبيا!.. قتل المجرم من حلمت به شابا يافعا لا لشيء لنفسها إنما لترى أولاده وامتداد ولدها على الأرض تلاعبهم ويلاعبونها!


السؤال الآن: إلى متى سنرى هذا الإجرام المجنون؟
الإجابة فورا: سيستمر طالما استمرت أسبابه.

والسؤال أيضا: وهل يمكن أن تنجو مصر من هذه الأفكار وتنتصر عليها وتنجح في معركة تجديد الخطاب الديني؟
والإجابة فورا: كيف ننجح في معركة لا يعرف أصحابها - نحن المصريون - عن أبعادها وحقيقتها شيئا؟، وكيف ننجح في معركة نطلب من المتسبب فيها حلها والانتصار فيها؟، سيبرز سؤال مهم وهو: ماذا تقول؟، وكيف ذلك؟، وسنجيب أيضا: تعالوا نشرح لكم أصل القصة.

المعركة الأساسية من جذورها هي وجود مدرستين لفهم الإسلام وتفسيره، لا ثالث لهما، الأولى هي مدرسة العقل والثانية هي مدرسة النقل.. الأولى تعمل عقلها في كل شيء؛ لأنها تؤمن باستخلاف الله للبشر على الأرض، وأنه سبحانه أمر الناس بالتدبر والتعقل والنظر ومدح في كتابه أولي الألباب.. والثانية تقدس السابقين وترى أنهم وصلوا إلى منتهى كل شيء، وينقلون عنهم كل صغيرة وكبيرة، وإذا سألتهم في مسألة أعادوا عليك كلام السابقين.. الأولى تفكر وتجتهد وتدرك وظيفة العلماء الأساسية وهي مطابقة الشرع على الواقع، والثانية عندها واقع مئات السنين السابقة، يجوز تطبيقه على واقع وأحوال اليوم.

الأولى وهي مدرسة العقل، بخلاف انتماء كبار الصحابة والخلفاء لها؛ لأنهم أعملوا عقولهم، إلا أن منها ما أسماه المسلمون بأنفسهم الإمام الأعظم وهو الإمام أبو حنيفة، ومن أنصارها أيضا من أسماه المسلمون الأستاذ الإمام وهو محمد عبده، وينتمي إليها الشيخ شلتوت وحسنين مخلوف وعدد من كبار الأئمة، والثانية يتزعمها الإمام أحمد بن حنبل ومن ورائه ابن تيمية وابن القيم والشافعي والكثيرون وهم الأغلبية!، ولو كان حالنا صحيحا لانحزنا إلى الأغلبية، لكن النتيجة كما ترون ونرى وحالنا لا يسر عدوا ولا حبيبا، ويتحمل أنصار هذه المدرسة المسئولية كلها.. لماذا؟

سنقول لكم.. هذه المدرسة جمدت الإسلام للأسف عند قرنه الأول، وساهمت - كما يقول الشيخ الغزالي - في نقل الإسلام من مصدره الأول القرآن إلى مصدره الثاني السنة، ومن السنة إلى أقوال الفقهاء، ومن أقوال الفقهاء إلى هوامش كلام الفقهاء وحواشي كتبهم ومجلداتهم، ولذلك فمن قتل أمه استند إلى رأي فقهي في كتب التراث عن قتل المشركين.. ونسى في المقابل عشرات الآيات القرآنية.. ليس فقط الآية الشهيرة "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وإنما آيات كثيرة منها "لست عليهم بمسيطر"، ومنها "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، و"أن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم"، ومنها "لكم دينكم ولي دين"، ونرى أن أهم الآيات على الإطلاق هما الآيتان "وأن أحدا من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون"، والآية الأخرى هي "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"، والكلام في الآيتين عن الإحسان للمشركين في الأولى، وعدم دخول المشركين للمسجد بعد فتح مكة، وهو ما يعني وجود مشركين أحياء، بشرط عدم دخولهم المسجد، وهو ما ينفي فكرة ضرورة قتلهم أو حسابهم أصلا.

وأهمية الآية أنها في آخر سور القرآن، وبالتالي لا يمكن الزعم بنسخها إلا في حالة واحدة، وهي جواز ترك القرآن والأخذ بالسنة، ورغم أن هذا شرك صريح إلا أنهم فعلوها.. ما دخل ذلك بتجديد الخطاب الديني في مصر؟، وما علاقة برهامي بالأمر؟

نقول: لأنها مدرسة واحدة، ومن ندعوهم لفعل ذلك هم من المؤمنين بتساوي درجتي القرآن ليس مع كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما تساوي درجة القرآن مع كلام البخاري الذي هو عمل جليل ورائع وجهد بشري كبير ومحترم لكنه يبقى بشريا بطبيعة الحال.. ولا يمكن مساواته مع القرآن إلا إذا اعتبرنا أن البخاري يوحى إليه، وهو ما لم يقل به البخاري نفسه ولا يقبل به البخاري نفسه؛ لما عرف عنه من التقوى والورع، وإنما قبله أتباعه ونسبوا للإمام الجليل ما لم ينسبه لنفسه، ولذلك فبيننا اليوم من يؤمن بأنه لا يوجد حديث واحد للبخاري غير صحيح، وهو ما يرفع البخاري إلى منزلة القرآن حاشا لله، الشيخ أسامة الأزهري مثلا لا يرى أن في البخاري حديثا واحدا غير صحيح ولكن فليكن ذلك بالتفصيل في مقال قادم.. لندرك أنه لا حل إلا بالمدرسة الأولى، ولا يمكن عقلا لمن تسبب في الأزمه أن يكون سببا في الحل والخروج منها!
الجريدة الرسمية