والبطل في الكاتدرائية!
فهمنا الآن سر البرقية التي أرسلها الرئيس السيسي لقداسة البابا تواضروس الثاني، ونشرت متأخرا بعد عصر أمس، فلم تكن إذن إلا رسالة للتمويه من بين إجراءات التأمين التي تتم في زيارات الرئيس، ولتأكيد التأكيد أن السيسي لن يذهب إلى الكاتدرائية لتقديم التهنئة، وسيكتفي بالبرقية، ثم كانت الزيارة فجأة!
الأهم.. أن الرئيس لم يكتف بالبرقيات ولا بالاتصالات الهاتفية ولا بزيارات المسئولين الكبار في الحكومة وفي الأجهزة، وإنما قرر أن يصنع البهجة للملايين، من بينهم على الأقل عشرة ملايين من الأشقاء المسيحيين، رغم أن البهجة عند المسلمين من الزيارة لم تقل عنهم بأي حال.
الأجمل.. أن الرئيس السيسي لا يقدم في زيارته وفي كلمات قليلة، درسا في الوطنية فقط، إنما أيضا يظهر الوجه الحقيقي للإسلام الصحيح المبني على التسامح وعلى قبول قانون القرآن الحكيم الذي يقول "ولو شاء ربكم لجعلكم أمة واحدة"، وإرشاده الحكيم في قوله " لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"، واستنكاره تعالى في قوله "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، وحتى نصل إلى قانونه الآخر "لست عليهم بمسيطر"، إلى عشرات الآيات المحكمة التي يتناساها برهامي وأمثاله ممن يزعمون فهم الإسلام، ليثبت السيسي بخطوته وكلمته أنه الأكثر فهما لدينه والتعبير عنه وتقديمه بصورته الحقيقية.
السيسي يدشن لعهد جديد بين السلطة والأشقاء، بعد سنوات طويلة شهدت مصر ارتباكا كبيرا في العلاقة بينهما من رئيس قال إنه "رئيس مسلم لدولة مسلمة"، ضاربا مبدأ أنه رئيس مصري لكل المصريين إلى رئيس تهجم أنصاره على الكنيسة المرقسية بالعباسية وقذفوها بالمولوتوف، في أسوأ المشاهد على الإطلاق في السنوات الأخيرة، ليعيد السيسي العلاقة إلى ما كانت عليه في الستينيات؛ حيث بنيت الكاتدرائية لتستهدف أن تكون الأكبر في العالم ولتكون رأس الكنيسة الأرثوذكسية في العالم كله!
السيسي يرسل الرسائل بأن الجبهة الداخلية بخير وستبقى، وأن الوطن وطن الجميع، وأن الله واحد والعقائد مختلفة، ومن يتسامح مع أتباع دين آخر سيتسامح حتما مع أنصار مذهب آخر من نفس الدين، طالما كانت الوطنية هي المعيار، وطالما ظلت الوطنية دستور الجميع!
كل التحية للزيارة ولصاحبها، وكل عام ومصرنا وشعبنا بكل خير.