وعلى مدينة «سان جورج» السلام!
بينما تأتي إلينا تلك الأيام ببعض من الجدل، عن موعد الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح وهل هو في الخامس والعشرين من ديسمبر أم في السابع من يناير، والجدال التاريخي حول أهمية حذف 3 أيام من كل 400 عام حتى يظل يوم الاحتفال بمولد الطفل يسوع في اليوم الذي به أطول ليل وأقصر نهار في العام، وهو اليوم الذي يبدأ بعده النهار في الزيادة، والليل في القصر، كمعنى روحي لمولد "نور العالم".
أو الجدل التقويمي حول يوم الاحتفال، وهل 25 ديسمبر حسب التقويم الجريجوري أو 29 كيهك حسب التقويم القبطي، بل أيضًا جدل نجمي، حول هل ولد المسيح في فصل الشتاء أم في فصل الصيف، وهي بالطبع حالة من الجدل هنا وهناك، لا يعبأ بها المسيحيون كثيرًا؛ لأن البعد التاريخي لشخص السيد المسيح له المجد ليس هو الأهم، فالمسيح شخص تجاوز التاريخ، أتى ليقدم للبشرية نمطا ومثالا لكيف تكون الحياة، ولهذا حتى تحديد عام ميلاد المسيح لم يتم على يد قيادات دينية مسيحية بل عن طريق علماء ومؤرخين.
بينما يتناثر كل هذا الجدل السابق ذكره حول موعد مولد "الطفل يسوع"، قدمت لنا مدينة "سان جورج" الكندية بمقاطعة أونتاريو موعدًا آخر لهذا الميلاد، وذلك حينما احتفلت المدينة بأكملها بالكريسماس مبكرًا، وتحديدًا في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي، فقط لتحقيق حلم ورغبة طفل يُدعى "إيفان ليفرساج"، الذي كان عمره 7 سنوات، قضى منها 5 سنوات يصارع مرضا سرطانيا بالمخ، ففي سبتمبر الماضي قال لهم الطبيب المعالج إن الطفل لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر، وقتها كانت أمنية الطفل "إيفان"، أن يحتفل بالكريسماس مع أصدقائه قبل رحيله، الذي غالبًا سيأتي قبل موعد الكريسماس، في الخامس والعشرين من ديسمبر.
وعملًا بمقولة "كارل مينجر"، "الحب يشفي الناس، سواء أولئك الذين قدموه أو الذين حصلوا عليه"، تجمع سبعة آلاف من أهل تلك المدينة حول "إيفان" في مسيرة خلف "سانتا كلوز"، يتقدمهم مسئولو المدينة، ومسئولو الشرطة والمطافئ، وتم وضع الزينات على المنازل والمتاجر وشوارع المدينة، وقامت شركة إنتاج سينمائي بإحضار ثلوج صناعية لتناسب وقت الاحتفال بالكريسماس، وتلقى الطفل "إيفان" أكثر من 45 ألف خطاب وكارت وهدية من أماكن عديدة للتهنئة بالكريسماس، في مشهد يُعبر بحق وحقيقة عن مولد المسيح، فوسط هذا الحب يولد المسيح بالقلوب.. تمامًا مثلما عبرت والدة الطفل السيدة "نيكول ويلوود"، عن هذا المشهد بقولها "إن هؤلاء لم يجتمعوا بالمدينة، بل في قلوبنا"، مشهد أعتقد أنه اكتمل بملائكة تهتف "المجد لله في الأعالي وعلى مدينة سان جورج السلام".
لا شك أن سكان تلك المدينة، وكل من شارك هذا الطفل فرحته، أعطوا للجميع المثل، أنه إن فعلت أعمال المحبة، سترى مولد المسيح، مثلما قال أمير الشعراء "أحمد شوقي"، قوله الشهير "ولد الحب، يوم ولد المسيح".. فالأمر يتجاوز الاختلاف التقويمي حول يوم الاحتفال، ويتجاوز الشكل النمطي بوضع الزينات وتزيين شجرة عيد الميلاد وغيرها من طقوس وعادات.. إلى سمو الفعل بقوة الحب، وقد قال "نابليون بونابرت": "لقد أسس ألكسندر وقيصر وشارلمان وأنا، الإمبراطوريات؛ اعتمادًا على القوة.. ولكن يسوع المسيح أسس إمبراطوريته على الحب، وبه جعل الملايين من الناس مستعدين أن يموتوا لأجله".
تحية لكل شخص شارك الطفل "إيفان" تحقيق ما حلم به، تحية لكل قلب حمل مشاعر الحب لهذا الطفل الصغير حتى تتحق أمنيته البسيطة في أن يحتفل بعيد الميلاد؛ لأنه لن يستطيع اللحاق به، وبالفعل ترك الطفل إيفان الحياة في سلام وهو بين يدي أمه "نيكول" في السادس من ديسمبر، أي قبل الموعد الرسمي لعيد الميلاد بثلاثة أسابيع، سلام لروحك أيها الملاك البريء، فالملائكة لا تسكن الأرض.