رئيس التحرير
عصام كامل

ممدوح عبد العليم أمام المصلين!


سبحان من له الدوام، رحل الفنان ممدوح عبد العليم إثر أزمة قلبية وهو يمارس الرياضة في الجيم، وأصبح الكثير من الوفيات تحدث في الجيم أو بعد الانتهاء من ممارسة التدريبات فيه، ما حدث هو الحالة الثانية في أقل من أسبوعين من المقربين، عموما أول مرة رأيت طفلا في مسلسل "الجنة والعذراء" مع عمالقة الدراما المصرية على رأسهم الفنانة الكبيرة كريمة مختار والفنان الراحل أنور إسماعيل، ويومها لفت الأنظار لكونه طفلا كان محورا للمسلسل وأدى دوره بشكل تنبأ له الجميع بمستقبل فيه. 

ولكن رأيت الفنان ممدوح عبد العليم في عام 1978، أي منذ ما يقرب من 38 سنة، والغريب أنني لم أره في مكان متوقع، ولكن رأيته في حديقة نادي الزمالك، كان يأتي للقاء الأصدقاء ومعهم أوراق العمل، الشيء الذي لفت نظري يومها جديته في ملامح وجهه لدرجة تصل إلى الوجوم، حتى عندما كان يناقش زملاءه كان شديد الجدية، والوحيد الذي كان يخرجه من عبوسه هو الكاتب الصحفي الراحل عبد الفضيل طه، الذي كان يتبنى في ذلك الوقت عددا من الشباب صاروا نجوما بعد ذلك، أذكر منهم الراحل عبد الله محمود، أحمد سلامة، محسن محيي الدين، محمد عبد الحي وغيرهم، ولكن الشيء الملفت صرامته في حركته وهو داخل النادي حتى خروجه.

وتمضي السنون إلى أن قدم مسلسل "ذو النون المصري"، من تأليف الشاعر الراحل عبد السلام أمين وإنتاج الفنانة مديحة حمدي، وقررت إقامة ندوة عن المسلسل، وكان يهمني حضوره؛ لأنه البطل ونظرا لجماهيريته وحب زملائه له، وأذكر يومها أنه نصحني كل من الفنانة مديحة حمدي والمخرج هاني لاشين بعدم الاتصال بالفنان ممدوح عبد العليم؛ لأنه لا يذهب للندوات ولا يحبها، ولكن اتصلت به وتركت له رسالة على الأنسر قائلا: "الفنان الجميل ممدوح عبد العليم، جمهورك ومحبيك منتظرك الأحد الساعة السابعة في.. إلخ"، ونسيت الأمر، ولكن كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع حضوره ومبكرا، وانقلب الحوار بالابتسام وروحه المرحة الجميلة، وإذا به يقول: "أنا جاي للجمهور إللي قلت منتظرني، وأسعد بوجودي بين أسرة العمل الراقي".

في حوار جانبي مع الفنانة والصديقة مديحة حمدي، قالت: "ممدوح عبد العليم شخصية نادرة في الوسط الفني، فهو شخصية متدينة لأقصى درجة ممكن تتخيلها، فهو يصلي كل الصلوات في موعدها، وأثناء التصوير عندما يختفي من أمام الكاميرا أعرف أنه ذهب للوضوء والصلاة!"، أما المخرج هاني لاشين فقال: "ممدوح ونحن في الصحراء جعل من سيارته ساترا ليصلي بمفرده!".

هذه الكلمات القليلة البسيطة تكشف عن جوهر ومعدن هذا الفنان الرائع، عمر هذه الكلمات أكثر من عشر سنوات، تذكرتها وأنا أكتشف أنني أحببت هذا الفنان بحق، وشعرت برعشة في صدري؛ حزنا وقهرا لرحيله المفاجئ، والمعروف عن الوسط الفني الكثير من السلوكيات غير المنضبطة، لذا أحببت أن أذكر هذا للقارئ العزيز، وأذكر هنا الفنان القدير رشوان توفيق، الذي كان لي حظ الصلاة خلفه، وفوجئت ببكائه الشديد وبدموع وهو يقرأ القرآن، وهذه نماذج من الجدير الاقتداء بها.

رحم الله الإنسان الفنان ممدوح عبد العليم، الذي لم يعرف عنه إلا كل خير، لم يكن تابعا لشلة أو مجموعة أو ارتبط اسمه بأي شيء يشينه، كان بطلا في مجالات التمثيل المختلفة.. وبلا ضجيج كان يلمع، وفي نفس الوقت كان الإنسان القريب من ربه، ولم تلعب النجومية برأسه بل زادته تواضعا وقربا إلى الله والناس!

رحم الله ممدوح عبد العليم نجم الحب وأشياء أخرى، شهيد جمهورية زفتى، وبطل خالتي صفية والدير، وعلي البدري في ليالي الحلمية، ورفيع الضوء الشارد، وذو النون المصري، والمصراوية، وكان دائما بطلا حقيقيا وليس من ورق.. وغير هذا كثير!!.. الفاتحة على روحه والأموات أجمعين.
الجريدة الرسمية