رئيس التحرير
عصام كامل

حزمني يا..!


قضيت ليلة رأس السنة في المنزل، وقطعت بعض الوقت في متابعة بعض البرامج والسهرات، ومن بين ما شاهدت جزء من مسرحية (حزمني يا) التي أنتجت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وتذكرت الأزمة التي صنعها اسم المسرحية بين هيئة الرقابة على المصنفات وبين أصحاب المسرحية، حيث كان اسمها ( حزمني يا بابا ) وهو ما رأته المصنفات يتعارض مع قيم وتقاليد المجتمع، ولا يجب بحال من الأحوال أن يصبح الفن معول هدم لتقاليد وقيم الأسرة المصرية بما يشكله الأب من مكانة وقيمة وقدوة ورمز في الأسرة، كما رأت أن ربط اسم الأب بالرقص يعني طريقا سريعا للتدهور الأخلاقي والقيمي للأسرة ومن ثم المجتمع !


إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت الرقص.. بيت شعر رسخ مفهوم المسئولية التي تقع على الأب، فما بالنا لو استجاب الأب لدعوة الابنة ليحزمها لترقص.. أي رسالة كانت سوف ترسخ في الذهن وتستقر في الوجدان ؟ انتهت الأزمة بعد أن أصرت الرقابة على رفع كلمة ( بابا ) من اسم المسرحية فأصبح ( حزمني يا ).

في كل الأحوال كان هناك من يرعي إلى حد ما قيم المجتمع وتقاليده، ويراقب بهذا المعنى تأثير ما يقدمه الفن للناس.

حدث هذا مع اسم مسرحية يذهب إليها الجمهور طواعية ويدفعون لمشاهدتها أموالا كانت الأعلى قيمة لسعر تذكرة المسرح في هذا الوقت، وكانت حديث الناس ! ولم تكن ( السوشيال ميديا ) وخصوصًا اليوتيوب قد اقتحم حياتنا بهذا القدر وأصبح يسجل كل همسة ولمسة ونظرة !

ما بالنا الآن فيما يحدث من تجاوزات وألفاظ بذيئة وخارجة وغير مألوفة ولا مقبولة للأسرة المصرية التي تتعرض يوميًا لجرعات قاتلة للقيم وأدب الحوار وانتقاء اللفظ المقبول مع سبق الإصرار والترصد، وكم هائل من الإسفاف يسقط على العقول كالمطرقة فيسبب كسورًا في قاع الجمجمة لا تصلح معها كل علاجات الطب الدوائي والنفسي، ولا دراسات علماء النفس والاجتماع.

غابت الرقابة بفعل المصلحة وسطوة رأس المال فأصبح الإسفاف من مشهيات المشاهدة والسمع، ومن مقبلات الطعام في المناسبات العامة، ومن ثم اعتاد عليه المشاهد واعتبره طبيعيًا ومن لوازم الأعمال الدرامية أفلاما كانت أو مسلسلات.. وأصبح الإسفاف بهارات العمل كما يروق لصناعه تسميته، وكما يحب بعض النقاد وأرزقية الفن الرخيص أن يطلقوا عليه حرية تعبير وإبداع.. وهؤلاء تحديدا تناسوا وجهلوا أعمالا فنية سطرت في تاريخ الفن سطورا مضيئة، ونحتت لنفسها تعريف الفن الجميل الذي تحول إلى أمنية لدينا أن نحاكيه من جديد !

الفن مرآة المجتمع.. هذا صحيح.. ينقل ما في الواقع من مفردات وصور، والفن الهابط تحديدًا تحكمه نظرية اجتماعية مرتبطة بدوران رأس المال في المجتمع، والسؤال المهم.. من ينقل عن من ومن يؤثر في من؟ هل الفن الهابط والمسف ينقل عن الواقع أم أن الواقع ينقل الإسفاف والهبوط عن الفن ؟ ورغم وضوح المعادلة ودراسة المتغيرات السلبية التي طرأت على المجتمع.. هناك من يتفق مع الطرح الأول ومن يتفق مع الطرح الثاني وأنا مع أن الهبوط والإسفاف انتقل من الفن وعدم المهنية إلى المجتمع وليس العكس.

أما عن البرامج وحالات تدني الحوار وانطلاق البذاءات كالرصاص الذي ينطلق من المسدس فحدث ولا حرج.. أشياء تدعو للأسف والخجل لمن لديهم حياء واحترام للنفس.. صارت البذاءات والألفاظ المسفة معيارا للظهور على الشاشات والوجود الدائم على الفضائيات ولا يملك المتنطعون من المذيعين بعد السماح بترديد هذه السفالات غير التحفظ على ما قيل من ألفاظ خارجة فقط.. يا سلااااام !

الانفلات اللفظي والأخلاقي على الميديا المختلفة قضية خطيرة تحتاج مراجعة وضبط وعقابًا شديدًا قبل أن نجد جيلا كاملا يرى القبح هو القاعدة فقط والاستثناء –إن وجد– هو الاحترام وأدب الحوار.. اللهم قد بلغت.
m.elazizi@hotmail.com
الجريدة الرسمية