رئيس التحرير
عصام كامل

تعيينات مجلس النواب.. على مستوى النواب المنتخبين!


جاءت تعيينات مجلس النواب لتؤكد أن الدولة المصرية تعيد إنتاج نظام مبارك، وتؤكد أيضًا وتدعم أن الرئيس لا يختار، وهذا أمر بديهى، فالرئيس يستعين بالمستشارين والأجهزة الأمنية من أجل الاختيار أو لمساعدته على الاختيار، وبتأمل الشخصيات المختارة وأماكن عملها التي نشرتها وسائل الإعلام يتأكد أن الرئيس لم يتدخل من قريب أو بعيد في هذا الاختيار، ذلك لأن الغالبية العظمى من المعينين شخصيات مجهولة وغير معروفة، فمن أين سيعرفهم الرئيس؟ ومن أين تم اختيارهم؟ فالغالبية العظمى موظفون في الجهاز الإدارى للدولة العميقة، دولة مبارك الفاسدة التي يتحكم فيها كبار رجال الجهاز البيروقراطى والأجهزة الأمنية التي تحالفت مع رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم المشبوهة بسرعة كبيرة وبدون أساس خلال حكم مبارك وتمكنوا من رشوة وإفساد كبار الموظفين.


لقد جاء النواب المنتخبون ليؤكدوا سيطرة رجال الأعمال على البرلمان من خلال ضخ الملايين داخل الدوائر الانتخابية الفقيرة لحصد أصوات المصريين، وبالطبع كان هناك ذكاء شديد منهم عندما تراجعوا خطوة للخلف ودفعوا بصبيانهم من الصفوف الخلفية في الحزب الوطنى ولجنة السياسات وغير المعروفين إعلاميًا، ليضحكوا على جماهير الشعب المصرى، وبالفعل نجحوا في حصد المقاعد عبر مزاد علنى لشراء الأصوات، وحين خرجنا لننتقد ما حدث ألقيت التهمة على الشعب بأنه هو الذي اختار وهو الذي باع ضميره وشرفه من أجل حفنة من الجنيهات، وبالطبع حاولوا إقناع الجماهير الفقيرة عبر الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي يمتلكونها ويسيطرون عليها أن قواعد الديمقراطية تستوجب الاعتراف بهؤلاء النواب.

وبدأت المعارك الإعلامية بين هؤلاء النواب الذين جاءوا من خلال أموال رجال الأعمال على توزيع الكعكة فيما يتعلق برئاسة ووكالة البرلمان وكذلك رئاسة اللجان، وكان من العجيب حقًا أن من أفرزتهم العملية الانتخابية لا يرقى من بينهم من يستطيع أن يتولى مهمة رئاسة البرلمان وهو أخطر برلمان في تاريخ مصر، وسمعنا وشاهدنا المعارك الوهمية من النواب عديمى الخبرة السياسية والبرلمانية بل عديمى الثقافة من الأميين سياسيًا وثقافيًا والتي يجب محو أميتهم السياسية والثقافية قبل البدء في أعمال التشريع لأن هذه الأمية سيتبعها بالضرورة تشريعات تضر بمصالح الفقراء والكادحين من شعب مصر.

وبدأت التكهنات تتناثر حول المعينين والتي يتفاوض معهم الرئيس بنفسه حتى يختار من بينهم رئيس للبرلمان تكون لديه خبرة حقيقية تمكنه من إدارة جلسات البرلمان، وحاولت الآلة الإعلامية تهدئة الجماهير المصرية عن طريق إقناعهم بأن من سيتم تعيينهم سيعيدون التوازن للبرلمان وسيسدون الفجوات التي أحدثتها العملية الانتخابية وسيتم اختيار ثمانية وعشرين عضوًا من أصحاب الخبرات ويتمتعون بثقل سياسي وثقافى كبير، ومن الشخصيات العامة والقيادات الحزبية المشهود لها بالنزاهة والكفاءة، وانتظرت الجماهير الأسماء المعينة وتابعت التكهنات والشائعات والثرثرة الكثيرة واللغط حول هذا الاسم وذاك، وبعد طول انتظار جاءت المفاجأة المدوية، حيث خلت قائمة المعينين من كل الأسماء التي طرحت وباستثناء الأديب الكبير يوسف القعيد ومعه رئيس حزب التجمع سيد عبدالعال وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد بهاء الدين أبوشقة فكل الأسماء كانت صادمة. 

وهو ما جعل الجميع يتساءل من هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟ ومن الذي جاء بهم؟ وهل فعلا الرئيس يعرف مثل هذه الأسماء المجهولة؟ وهنا تأتى الإجابة بالقطع لا يعرفهم ولم يشاهدهم من قبل لكن عملية الاختيار تمت بواسطة المستشارين والأجهزة الأمنية، حيث تم اختيار المقربين منهم والذين يمكن السيطرة عليهم، وما قام به الرئيس هو التوقيع فقط على الكشف الذي يحتوى هذه الأسماء.

والنتيجة الطبيعية هي مزيد من الإحباط ومزيد من التشاؤم حول مصير البرلمان وحول النتائج المرجوة منه، فمازال مصير رئيس البرلمان في علم الغيب وهنا ترتفع أسهم سامح سيف اليزل الذي يدخل العملية السياسية لأول مرة وبالتأكيد هو وغيره من المرشحين لنفس الموقع باستثناء البرلمانى المخضرم المحترم صاحب الأسهم الضعيفة جدًا كمال أحمد، لا يمتلكون المؤهلات التي تمكنهم من الجلوس فوق هذه المنصة رفيعة المستوى، والتي تتطلب خبرات ومهارات غير متوفرة في المتصارعين على الموقع.

وكان الأمل الوحيد لإنقاذ الموقف هو تعيين شخصيات مرموقة ذات خبرات كبيرة يكون من بينهم من يصلح لهذا الموقع، وما دام ذلك لم يحدث فمن المتوقع أن يتحول البرلمان إلى سيرك أشبه ببرلمان الكتاتنى في عهد الإخوان الذي أضعف من قيمة الموقع، كما أضعف مرسي من قيمة موقع رئيس الجمهورية، ويبذل الرئيس الآن جهودًا جبارة ليعيد للموقع احترامه وهيبته.

وبما أن تعيينات مجلس النواب قد جاءت على مستوى النواب المنتخبين فلا أمل في هذا البرلمان وستقع مسئولية التشريع على مؤسسة الرئاسة والحكومة وسيتحول البرلمان إلى أداة تصدق فقط على ما يطرحه الرئيس وحكومته من مشروعات قوانين، سوف ترسخ عملية إعادة إنتاج نظام مبارك... اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية