رئيس التحرير
عصام كامل

فليكن 2016 عام الانضباط!!


"لي كوان يو" مؤسس سنغافورة، استلمها دولة بلا جيش ولا شرطة ولا موارد، نستطيع القول إنه استلم دولة بلا دولة، ومع ذلك خلال ثلاثة عقود قفز بها من التخلف إلى التقدم، من الجهل إلى العلم، ومن العالم الثالث إلى العالم الأول.

ويقول كوان في مذكراته إنه قام بتعويض نقص الموارد بالإبداع والانضباط، فحقق المعجزة الكبرى، وأصبحت الجزيرة الصغيرة صاحبة المليون نسمة، تناطح أكبر دول العالم، فارتفاع الحد الأدنى لدخل المواطن فيها من 500 دولار إلى 64 ألف دولار سنويا.. وتعتبر بلاده رابع أهم مركز مالي في العالم، وإجمالي الناتج القومي للخمسة ملايين سنغافوري 350 مليار دولار سنويا، وبدون أي موارد طبيعية.

كل هذا تحقق بالانضباط والحزم والحسم والعمل الجاد، الصين ذات المليار وأربعمائة مليون نسمة، لولا الانضباط لأكل الشعب الصيني نفسه من الفقر، ولكن الانضباط جعل الصين أكبر قوة اقتصادية دولية، وشعبها أكثر شعوب العالم إنتاجية.

في بداية حكم مؤسسها "ماو - سي تونج"، قامت مظاهرة عمالية لمطالب فئوية، فكانت التعليمات أن تتعامل معهم الشرطة بمنتهى القسوة، وصلت إلى حد استخدام الرصاص الحي وسقوط قتلى، ورفضت الحكومة الصينية تسليم جثث القتلى إلى ذويهم إلا بعد أن قاموا بسداد قيمة الرصاص الذي قُتِلوا به، ومن يومها لم تخرج مظاهرة في الصين والكل اتجه إلى العمل والإنتاج، مهاتير محمد حينما تولى حكم ماليزيا خاوية على عروشها، قام بتجنيد الشباب الماليزي في معسكرات الجيش ليعلمهم الانضباط، ولذلك أصبحت ماليزيا نمرا اقتصاديًا، هذه أهم ثلاثة نماذج لدول حققت طفرة اقتصادية في وقت قياسي بسبب الانضباط.

في حين أن مصر التي أنعم الله عليها بموارد كثيرة ومتنوعة، وصل بها الحال إلى أن تتسول غذاءها من الخارج، وأبناؤها يلقون كل أساليب الذل والمهانة في جميع دول العالم ويموتون غرقا وهم في سبيلهم للهجرة غير الشرعية، إذن الانضباط هو الذي أحدث الفارق بين الدول التي تقدمت بدون موارد، والدول التي تخلفت رغم كثرة وتنوع مواردها.

الانضباط أيضا هو السبب في أن مشروعات القوات المسلحة تكون على أعلى مستوى من الجودة ودون غش أو تلاعب أو فساد، وتنتهي في مواعيدها، وغياب الانضباط هو سبب الفساد في مشروعات الوزارات الأخرى، رغم أن نفس الشركات التي تنفذ مشروعات الجيش هي نفسها التي تقوم بتنفيذ مشروعات الوزارات المدنية، ولكن الفرق في الانضباط.

غيابه كان ومازال السبب في حوادث الطرق وغرق المراكب والمعديات والعبث بالممتلكات العامة والفوضى التي نشاهدها يوميا في الشارع المصري.

غياب الانضباط هو السبب في العشوائية التي نحياها، فكل مواطن يفعل ما يشاء وقتما شاء أينما شاء، وهذا لا يحدث إلا في مصر فقط، حتى الدول التي كانت أكثر منا فقرا وتخلفا لا يوجد فيها فوضى مثلنا.

المليارات التي تنفقها الدولة على المشروعات العملاقة مع غياب الانضباط، لن تأتي هذه المشروعات بثمارها، والفوضى التي ننعم فيها حاليا هي سبب تخلفنا.

الانضباط تفرضه الحكومة فرضا على المواطنين؛ لأن المواطن بطبيعته يعشق الفوضى ويكره الالتزام، الانضباط يجب أن تشارك فيه كل أجهزة الدولة، تأتي الداخلية في المقدمة ثم التعليم والإعلام والثقافة والفن، يجب أن تكون قضية مجتمع وتشارك فيها جميع مؤسساته، إذا أردنا فعلًا أن نتقدم ببلدنا فالانضباط هو الحل؛ لأنه يبني، والفوضى تهدم، فليكن 2016 عام الانضباط.
الجريدة الرسمية