رئيس التحرير
عصام كامل

تناقض النخبة حول براءة الطاهر.. وإدانة البحيري!


يبدو أن النخبة في بلدنا مصرة على إثبات فشلها، وبالرغم من فرص كثيرة تأتي لإثبات العكس إلا أنها ترفع شعارات وتنفذ غيرها، الحريات التي يصدعنا بها الكثير منهم، هم يريدون الحرية لهم وأفكارهم هم لا غيرهم، ومؤكد أن الإنسان السوي الطبيعي يميل دائما للعقل والمنطق، وأرى أنني من هؤلاء، الذين يعرضون كل شيء على العقل والمنطق، وبحكم العمر والخبرة شاهدت معارك هائلة بين الكبار، وكنا نستمتع بالخلاف بينهم، أذكر هنا معركة السياسي وأحد رجال ثورة يوليو الأستاذ خالد محيي الدين مع د. مصطفى محمود تارة، ومع الكاتب الكبير خالد محمد خالد تارة أخرى.


المعركتان عن الفكر اليساري، ويجب إسقاط الأفكار اللينية، وطبيعي كان الأستاذ خالد محيي الدين يدافع عن الاشتراكية بعكس الهجوم العنيف عليها من المفكرين الآخرين، وعندما كتب الكاتب خالد محمد خالد عنوانه "إنها لعبة الموت يا رفيق" كنا نعتبرها تجاوزا!

وهناك المعركة الرهيبة بين الإمام عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، لدرجة أن المعركة لم تتوقف إلا بعد تدخل الرئيس الراحل محمد أنور السادات!.. وبالرغم من عنف الاختلاف لم نسمع الأسلوب المتدني الذي يتردد الآن من المفترض أنهم نخبة أو على الأقل يتحدثون في الإعلام للملايين من المواطنين.

في الإسلام يؤكد القرآن أن أكثر البشر خشية من الله هم العلماء؛ لأنهم يدركون الحقيقة أكثر من غيرهم، لهذا يكون لديهم اليقين بوجود الله، والمسيحية كما قال البابا تواضروس، العلم والطريق إلى الإيمان، ولم نسمع أي رسول انهال على من كانوا يحاربونه بالسب والقذف وغير ذلك، لقد خرج سيد القمني بوصلة من الهجوم والتهكم والتجريح في الجميع، بل إنه اتهم الأزهر بتصدير الإرهاب إلى العالم، وإنه سيقاضيه في المحكمة الدولية باعتباره منظمة إرهابية، وإن المسلمين أصبحوا يعبدون الأوثان وفتح مصر على يد عمرو بن العاص استعمار، وإنه كان حزينا لأن المحجبات شاركوا في الثورة!!

لا أعرف أهمية كل ما خرج علينا به هذا القمني، للأسف نفس الكلمات يكررها كل فترة وكأنه يبحث عن الأضواء، الغريب أن الدكتوراه التي يحملها مشكوك فيها ولا يعتبر عند أي مركز بحثي في العالم بأي أهمية، وهو الذي ادعى أنه مهدد بالقتل، ومن قبله كان أسلوب إسلام بحيري في منتهى التردي في ألفاظه وتشبيهاته، والغريب أن د. نصر أبو زيد الذي تم رفع عليه قضايا للتفريق بينه وزوجته، كان أسلوبه أفضل من كل هؤلاء، وطبيعي رد البعض على سيد القمني.

ومن الأشياء الغريبة في حياة النخبة، أنها ترحب بحكم البراءة للكاتب الصحفي ورئيس تحرير أخبار الأدب طارق الطاهر والروائى الشاب أحمد ناجي، مؤلف العمل الذي أثار غضب البعض، وأشادوا بالقضاء وأن هذا عهدهم بالقضاء المصري، في حين نفس هؤلاء انتقدوا الحكم على إسلام البحيري، وهنا التناقض الذي يجعل الرأي حسب هوى النخبة أو حسب ما تتمنى، لو جاء حسب هواهم فالقضاء رائع، وإذا لم يأتِ كما يرغبون فيكون القضاء جائرا ولم ينصف حرية الإبداع والرأي.

وفي اتصال مع الصديق طارق الطاهر بعد حكم البراءة، قال: القاضي مظلوم، والمشكلة الأساسية ليست في القاضي ولكنها في القوانين التي لا بد من تغييرها، والقاضي يحكم من أوراق القضية ومواد القانون المطاطة!

وقبل أن أنهي، قرأت أن نقابة الصحفيين تعلن تضامنها مع إسلام بحيري، ولا أعرف التضامن معه على أي أساس؟.. هل تؤيد آراءه وتدني ألفاظه أم ضد الحكم؟.. لا أعرف غير أن النقابة تزايد وخلاص، وأتمنى أن تحل مشاكل أعضائها الذين يتسكعون بحثا عن عمل أو تحديد مصيرهم بعد غلق صحفهم أو طردهم منها.. طبعا لن يتم الالتفات إليهم!!

أعود إلى مستوى الحوار والقضايا الهزيلة التي تناقش وتحتل مساحة من الوقت والجهد بلا طائل حقيقي على المجتمع، وبالتالي أسأل النخبة الفاشلة متى يكون الحوار حول قضايا جادة من أجل الوطن؟!.. قضايا نختلف حولها من أجل تقديم الأفضل من الحلول، نختلف ونتفق بلا أهواء أو مصالح شخصية، وإنما من أجل مصر.. ومصر فقط!.. متى يشعر المواطن بأن الإعلام والنخبة يشعرون بهمومه بحق وليس متاجرة ومزايدات إعلامية، متى تصدر النخبة للمجتمع الرقي والسمو في الحوار واحترام الرأي الآخر؟!
الجريدة الرسمية