رئيس التحرير
عصام كامل

لميس جابر «آه» وعاصم الدسوقي «لأ».. كيف ذلك؟


من الصعب جدا أصلا المقارنة بين أكبر وأهم مؤرخ مصري هو الدكتور عاصم الدسوقي، المؤرخ الكبير والعميد السابق لآداب حلوان وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بالجامعة ذاتها، وبين طبيبة سابقة لا تمارس مهنة الطب وتمارس الكتابة ككاتبة حرة وليست صحفية.

من الصعب أصلا المقارنة بين من درس سنوات للحصول على ليسانس التاريخ، فحصل عليه بتفوق، ومن بعده الماجستير والدكتوراه بتفوق أيضا، ثم قام بتدريس التاريخ لطلبة التاريخ، بل حقق وأشرف وأجاز مئات من رسائل الماجستير والدكتوراه.. وبين قارئة للتاريخ تعيد كتابته وفق ما تستوعبه منه.

ومن الصعب أيضا المقارنة بين من يستخدم مناهج البحث العلمي في دراسة الحدث التاريخي واستيعابه، ثم استخلاص النتائج منه، وبين من يتدخل الهوى في أحكامها وفق انطباعات سابقة، تكتب لإثباتها أو لنفيها، دون أي مناهج علمية يدرسها طلبة البحث العلمي في مختلف مجالات العلوم الإنسانية!

ولذلك فنندهش من الاستناد إلى الدكتورة لميس، في إعطاء محاضرات تنظمها الرئاسة أو الحكومة، ولا يتم اختيار الدكتور الدسوقي.. وخصوصا أنها تعتبر أن تدخل الجيش في السياسة سبب خراب مصر، وأن الأسرة الحاكمة هي من بنت مصر قبل الثورة وأنجزت الكثير، وبالتالي فهي في الأصل ضد النظام الجمهوري نفسه، الذي عينت على أساسه في البرلمان. 

بينما يرى "الدسوقي" أن ثورة الجيش أعادت البلاد لأصحابها الحقيقيين، الذين حرموا - وهم الأغلبية الكاسحة من شعب مصر الطيب - من كل شيء من الثروة والوظائف العليا وتكافؤ الفرص في كل المجالات، وأولها البعثات العلمية خارج البلاد، إلى كل شيء يمكن تصوره، كما يؤمن بأن الفلاح المصري هو من أنجز كل الإنجازات التي تحققت قبل الثورة، وقدموا ملايين الشهداء في حفر قناة السويس والترع والمصارف والرياحين والقناطر في كل أنحاء مصر؛ حيث سيقوا إليها بالسخرة وحفروها بدمائهم ودموعهم وأظافرهم، بينما كان يأكلهم الجوع والمرض وسياط الجلادين، وماتوا ودفنوا في مواقعهم في مأساة إنسانية تاريخية لم تتوقف عند دنشواي، ولم يسجلها عمل درامي حقيقي حتى الآن!

وفي حين تهاجم لميس الجيش من هذه الزاوية، يرى الدكتور الدسوقي أن جيش مصر هو فخرها وعزها، وأن الثورة أعادت الجيش إلى الشعب، وصار جيش الشعب بعد أن كان جيش جلالة الملك!

المقارنة ظالمة من كل النواحي.. فما يكتبه الدكتور الدسوقي تاريخ، وما تكتبه الدكتورة لميس سياسة، والفرق بين الأمرين مهول وشاسع.. التاريخ حقيقة، والسياسة رأي، والرأي ملك لصاحبه يؤمن به ويدافع عنه كما يشاء، وهذا حقه وله كل الاحترام.. لكن بغير أن يزيف وعي أجيال كاملة، عانت من غياب التوجيه التربوي والأسري في سنوات جفاف ثقافي ووطني شامل، ففقدت - بكل أسى - مناعة التمييز والفرز بين ما تسمعه وتقرأه، وفقدت القدرة على تحليله ودراسته، فصارت تصدق كل ما يصادفها، حتى أنها صدقت أن مصر الملكية، التي كان مشروعها القومي محاربة الحفاء، تقرض بريطانيا، وأن مصر الملكية نظيفة جميلة دون أن يقول لهم أحد إن ما يرونه ليس إلا عدة شوارع في القاهرة والإسكندرية، بينما البلهارسيا وأحيانا الكوليرا تنهش أجساد الملايين في كل أنحاء المحروسة في أكبر عملية تجريف لوعي أمة، وفي أكبر عملية تزييف تاريخي تشهده بلد من البلدان، دون رادع من أي جهة.. فالكتابة في التاريخ بكل أسف لا صاحب لها ولا مسئول عنها!

كيف يتم اختيار الأولى للتعيين في البرلمان ويترك الثاني؟.. هل لأسباب تخص الخبرات والعلم وفنون الكتابة والموقف من الإرهاب والموقف المشرف من تاريخ البلاد ومن جيشه العظيم؟.. إن كان الأمر كذلك فالقيمة كلها عند عالم جليل تخرجت على يديه أجيال، لم يشكُ من تجاهله، وربما لم يفكر في الأمر أصلا، وتكفيه كتبه وأبحاثه وما قدم لوطنه هو شيخ المؤرخين المصريين الدكتور عاصم الدسوقي!

قد كانت رسالة عتاب طويلة إلى الرئيس السيسي.
الجريدة الرسمية