رئيس التحرير
عصام كامل

عذرًا أيُّها التَّاريخ


في عام 1431، أُعدمت جان دارك الفرنسية من قبل الكنيسة، حرقًا بتهمة الهرطقة، قيل إنَّها ادَّعت الإلهام الإلهي.. ثم أعيد النَّظر في محاكمتها فبُرئت، وأُعلنت شهيدة.. ثم قديسة عام 1920.


في عام 1632، قضت محاكم التفتيش الرومانية التَّابعة للكنيسة، بإدانة جاليليو لأنَّه أعلن كروية الأرض، أدين بالهرطقة، وحُكم عليه بالسجن ومُنع من مناقشة مواضيعه، وقررت المحكمة أنَّ كتاباته ممنوعة.

في عام 1198 م توفي ابن رشد، بعد مرض تسبب فيه أمر بالنفي صدر بحقه، بعد أن اتُّهم بالهرطقة، من قبل خليفة المسلمين في الأندلس "المنصور" فأمر بنفيه وحرق كتبه، وأصدر منشورًا يُنهي المسلمين عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير بالاهتمام بها، وهَدَّد كل مَنْ يُخَالِف أمره بالعقوبة.

في كل مرة، كان المفكر أو العالم يُعتقل، كان من يعتقله يظن أنَّه بذلك يدافع عن الدين، أيًا كان الدين، مع أنَّ الدين لا يحتاج إلى مدافعين، ولا يمكن لأي شيء أو أمر أن يهز قواعد الدين أو أساساته، نعتقل المفكرين، نغتالهم أو نعيد إليهم كراماتهم، لكن يبقى الدين ثابتًا راسخًا لا يدنو من قدسيته إنسان.

ويعود التاريخ في كل مرة لينصف ولو بعد حين، من كان أمينًا في أفكاره ودوافعه وإن ظلمه الناس، كذلك ليفضح من أساء وإن كان قد أخذ المجد والكرامة عن غير ذي حق من الناس.

اليوم في مصر، في عهد الديمقراطية، هل يعود التاريخ ليكرر نفسه؟.. بعد أن نزل المصريون في الثلاثين من يونيو؛ لمناهضة الدَّولة الدينية، وكلهم أمل أن نحيا جميعًا في مجتمع متسامح متعدد الآراء والأفكار، تأتي الصحف لتطالعنا ووكالات الأنباء ومواقع الأخبار الإلكترونية بهذا الخبر:-

"الحكم على إسلام البحيري بتهمة ازدراء الدين الإسلامي"
 
كلنا يعرف "إسلام بحيري"، الباحث المصري والمفكر الشَّاب الحاصل على درجة الدكتوراه في تجديد مناهج الفكر الإسلامي، رئيس مركز الدِّراسات الإسلاميَّة بمؤسسة "اليوم السَّابع"، والحاصل أيضًا على درجة الماجستير في "طرائق التَّعامل مع التُّراث"، وكلنا يعرف أنَّ إسلام بحيري اليوم، يُسحق بين مطرقة التَّطرف وسندان التعصب.

ما الذي فعله إسلام بحيري؟

بدأ إسلام بحيري، بلفت النَّظر إليه على إثر بحث نشره في مجلة اليوم السَّابع، حول زواج عائشة أم المؤمنين من النَّبي محمد، وحسب قوله، فإنَّها كانت في الثامنة عشر من عمرها، وليس في التَّاسعة، وأنَّ زواجها وهي بنت تسع سنين من رجل في الخمسين، كذبة وفرية من افتراءات كتب التراث الإسلامي.

وكان قد قدَّم في مقاله، كل الحجج والبراهين اللازمة لإثبات صحة كلامه، ثم ما لبث بحيري أن شكك في برنامجه "مع إسلام بحيري" في بعض كتب وروايات التُّراث الدِّيني الإسلامي ومؤلفيها، رغم أنَّها كانت من المراجع الأساسيَّة لدى المؤسسات الدِّينية المصريَّة والإسلامية عمومًا.. فهل كان يهدف إلى هدم الدِّين، أم إلى الدفاع عنه؟

كان عنوان المقال الذي نشره في مجلة اليوم السَّابع، في يوم الخميس، 16 أكتوبر 2008، التَّالي:-
ليست محاولة للتشكيك في البخاري ومسلم ولا العلماء الأوائل.. ولكنَّها دفاع عن رسول الله، زواج النَّبي من عائشة وهي بنت 9 سنين كذبة كبيرة في كتب الحديث.

إذن، في كل مرة كان "إسلام بحيري" يفحص ويفند كتب التراث الإسلامي، كان يسعى - حسب قوله - إلى دعم الدِّين الإسلامي وليس هدمه.

ولأنَّ الأعمال بالنيات، تلك كانت نيته، فماذا كان عقابه؟
تم انتقاده، ثم أُوقف برنامجه "مع إسلام بحيري" على قناة القاهرة والنَّاس، بتهمة انتهاكه للدين الإسلاميَّ، واليوم يأتي الخبر العاجل عنه، من جريدة اليوم السَّابع، على الشَّكل التَّالي:-

"إسلام بحيري خلف قضبان سجن طرة بتهمة ازدراء الإسلام.. المحكمة تخفف حكم حبسه من خمس سنوات إلى عام واحد.. حرس المحكمة يرفض وضع الكلبشات بيد المتهم بعد انهياره"

الديمقراطية، حرية التعبير، حرية التفكير، حرية إبداء الرَّأي، هي الطرق السليمة لتجديد المفاهيم؛ لحماية العقول؛ لبناء الإنسانية الحقيقية.

أليس من الأولى بنا، أن نركز بالأكثر على عدونا الحقيقي، على من يقتل جنودنا، ويسعى لتدمير بلادنا، ويخطط لخرابها؟

هل بالفعل نحن ندافع عن سمعة الدِّين، ونحمي راية الدِّين، ونعلي من شأن الدِّين، ولا نبخ سموم التعصب في أذهان شبابنا ولا نُجهل باسم الدين بناتنا ونقمع نساءنا ولا نمول الحروب الَّتي تدمر الإنسانية وتقتل الإنسان باسم الدِّين، هل نفعل ذلك؟
الجريدة الرسمية