لعبة بوتين بالورقة السورية في الأزمة الأوكرانية
تقييم المكانة القوية لروسيا في الأزمة السورية يتم بشكل أكبر مما يجب، في حين لا يتم تقييم مخاطر موسكو على أوكرانيا وأوربا بما فيه الكفاية. وهناك علاقة بين الموضوعين، كما يرى خبير الشئون الروسية انغو مانتويفل.
مع نهاية عام 2015 يبدو أن الإستراتيجية الخارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حققت مبتغاها، إنها إستراتيجية الخداع العسكري الروسي المعروفة بـ"ماسكيروفكا"، وهو الأسلوب الذي نهجه الجيش السوفياتي وجهاز المخابرات السوفياتية "كي جي ب" في خداع الغرب وصرف انتباهه عن الأهداف الحقيقية.
تدخل عسكري في سوريا
فاجأ التدخل العسكري الروسي في سوريا الغرب، بل أرعبه بعض الشيء. فبوتين أعطى انطباعا بمدى قوته السياسية الخارجية. لكن السر المهم في هذه القوة المفترضة يكمن في الضعف الواضح للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي. فهما لم يتدخلا على مدى أربع سنوات في سوريا إلا بشكل خجول، وفقط بعد أزمة اللاجئين، وخطر الإرهاب من "داعش" وظهور التحالفات الروسية العسكرية التي اندهش منها الغرب هي التي دفعت بالأطراف الغربية لتكريس جهد أكبر.
لكن القدرة الروسية في الحرب بسوريا لا يجب أن يعظم تقديرها. فبكل تأكيد تملك روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن وسائل عديدة لوضع عوائق في درب سياسة الغرب الخارجية.
فالكرملين بتوسيع قاعدة اللاذقية الجوية وإطلاق صواريخ من سفنه الحربية في البحر كان قد رفع من مستوى عملياته. لكن لا يجب أن ينخدع أحد بتكتيكات إظهار القوة السياسة الخارجية الروسية. فموسكو قامت من قبل بدعم نظام الأسد عن طريق الدبلوماسية والوسائل العسكرية.
من خلال تدخل موسكو العسكري في سوريا لن يؤدي ذلك إلى خلق نظام عالمي جديد. فالوضع في الشرق الأوسط معقد جدا بوجود قوى إقليمية منافسة وأطراف حرب متصارعة. وهذا ما يعلمه جيدا المخططون في موسكو.
بيد أن التدخل العسكري الروسي في سوريا كان قد أغضب العدو الأول – الولايات المتحدة الأميركية - وكذلك المملكة العربية السعودية، وهو أثر جانبي مرحب به. وفي النهاية دفعت السعودية في المقام الأول أسعار النفط - الأمرالمهمة بالنسبة لروسيا- نحو الانخفاض.
الجائزة الكبرى - أوكرانيا
التدخل العسكري الروسي في سوريا لا يمكن فهمه إلا من خلال النظر العميق لموضوع أوكرانيا. فالأمر بالنسبة لفلاديمير بوتين يرتبط من جهة بقضية تخفيف العقوبات على روسيا، ومن جهة أخرى بخلق حالة عدم استقرار في أوكرانيا وإقامة معوقات في طريقها نحو أوربا. ولهذا قامت القوى الموالية لموسكو في شرق أوكرانيا بفبركة ما تسمى بجمهوريتا دونسك ولوغانسك الشعبيتان المعلنتان من طرف واحد.
الجمهوريتان ستكونا محل تساؤل، في حال تطبيق اتفاق منسك الثاني وعودة كييف للسيطرة على الأراضي حتى الحدود الروسية. ثم إن تطبيق اتفاق منسك الثاني يشكل شرطا من شروط رفع العقوبات الغربية عن روسيا.
بيد أنه لا يمكن توقع تحقيق اتفاق منسك كاملا عام 2016. فبعكس ذلك، تحاول موسكو جعل منطقة "دونباس" منطقة يطلق عليها "منطقة لتجميد الصراع ".
وهناك لدى موسكو أوراق مهمة بشأن المسار السياسي لأوكرانيا، حيث يصعب على هذه الأخيرة تطبيق بعض اتفاقيات منسك، ومن أهمها ما تم الاتفاق عليه بشأن تغيير دستور مناطق اوكرانيا وخاصة الشرقية منها ومنحها حكما ذاتيا.
أهداف روسيا في 2016
ولهذا ستتجلى أهداف موسكو في سياستها الخارجية عام 2016 في تحميل الدولة الأوكرانية وحكومتها هناك مسئولية عدم تطبيق اتفاق منسك الثاني، وفي نفس الوقت تقديم نفسها كحليف متعاون مع الغرب.
الكرملين يأمل في تخفيف العقوبات الأوربية أو رفعها عن موسكو من قبل الاتحاد الأوربي وهو الاتحاد الذي عانت بلدانه من الأزمة اليونانية، ومن أزمة اللاجئين، ومن خطر الإرهاب، وجميعها تشكل خطرا على وحدة وتماسك الاتحاد الأوربي. وبذلك تكون ورقة بوتين في سوريا قد جنت أكبر ربح ممكن.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل