العقاد يكتب: أم كلثوم.. راية متوجة بالحرير
في مجلة المصور أواخر ديسمبر عام 1949 كتب الأديب عباس محمود العقاد مقالا يقول فيه:
عندما قلت عن أم كلثوم أن صوتها لا يماثله صوت فإنى أعنى في الماضى والحاضر على السواء، ويفتح هذا الكلام سؤالا يسبق الألسنة وهو كيف نحكم على أصحاب الأصوات في الماضى ونحن لم نشهده ولم نسمعه.
وحضورنا في العصور الماضية ليس وسيلتنا الوحيدة للحكم على هذه الأصوات، فمثلا نستطيع الحكم على مبنى إذا عرفنا مبلغ علم أبنائه لفن الهندسة، ونحكم على غنائهم إذا بقيت لنا موضوعات غنائهم وأدواتهم الموسيقية.
تاريخ الغناء في مصر منذ الفتح الإسلامي إلى الفاطميين كان شيئا مهملا، أما بعد ذلك فخير مافيه تاريخ التجديد في العهد العثمانى أواخر القرن 19 وأوائل القرن ال20.
وصوت أم كلثوم من البرانو المديد، امتاز بالحسن والنقاء، فمن الممكن أن يفضل السامع نوعا من الأصوات على آخر.. لكنه لا يستطيع أن يجد بينها حسن ونقاء كنقاء صوت أم كلثوم.
سمعت جميع المطربين والمطربات الذين اشتهروا في مصر وفى الشرق، وسمعت أم كلثوم منذ نشأتها الأولى، سمعتها لأول مرة في حديقة الأزبكية، وفى صحبة من الأدباء أذكر منهم على أدهم الكاتب المفكر وعبد الرحمن صدقى وكيل دار الأوبرا الملكية.
رأيت أم كلثوم في الكوفية والعقال ففهمت أنها بدوية، وسمعتها تغنى الشعر والأدوار الشعبية فما شككت منذ اللحظة الأولى أنها ستنفرد بعرش الغناء في هذا الزمان.
سمعتها بعد ذلك في عرس، وفى مسرح البسفور، وفى رأس البر، واقتنيت الأسطوانات التي سجلتها، وعرف أصحابى أن خير نخبة موسيقية عربية اسمعها إياهم في بيتى هي أسطوانة لأم كلثوم، أو أسطوانة لسيد درويش.
أن ميزة أم كلثوم بعد كل ماسمعته من أغانيها هي أنها المطربة الموهوبة، فهى تفهم ما تعنيه وتشعر بما تغنيه.
شكت أم كلثوم ألما في عينيها فقال الأطباء إن بعض دواءها في الغناء، ويتمم الله الشفاء للمطربة الموهوبة المحبوبة وتعود ليسمع محبوها الجديد.(لأغنى واغنى واغنى..وأورى الخلايق فنى..المغنى حياة الروح..يسمعها العليل تشفيه )
أم كلثوم أذن هي راية متوجة بالحرير..ولا زالت راية تخفق في ظل النعمة والنعيم.
أم كلثوم أذن هي راية متوجة بالحرير..ولا زالت راية تخفق في ظل النعمة والنعيم.