رئيس التحرير
عصام كامل

الخطوط الحمراء


يرتبط اللون الأحمر وجدانياً بحالة الخطر، فاللمبة الحمراء تدل على وجود أشخاص جمعـــهم التباحث فى أمر جلل لايصح الإطلاع عليه من جانب آخرين. واللمبة الحمراء فى مفهوم قواعد المرور تعنى عدم تجاوز السيارة لخط الوقوف عن الحركة، لأن الحركة تمثل خطرًا على النفس وعلى الغير .


إذن فاللون الأحمر فى إحدى دلالاته هوعلامة الخطر، بما يعنى عـــدم السمـــاح بتجاوزه إلى ما وراءه. فإذا انتقلنا إلى مفهوم هذا اللون ودلالاته عند القوات المسلحــة فى أى دولة فهو يعنى : " ممنوع الاقتراب والتصوير " .

أقول ذلك بمناسبة واقعة قد حـدثت أثناء خدمتى ضابطاً احتياطياً بالقوات المسلحة المصرية منذ سنوات بعيدة، فقد كنت أستقل أنا وزميل لى إحدى الحافلات المدنية للانتقال من مكان إلى آخر ، وقد كانت الحافلة مزدحمة بالركاب إلى حد أننا كنا نتزاحم فى الممر بين صفى الكراسى على الجانبين .

وكنا نتجاذب أطــراف الــحديث ، وتطرق بنا الحوار الى جوانب متعلقة بطعام الجنود ، وأثناء الحوار وجدت يداً تتسلل خفية إلى حيث موضع يدى . وضعت وريقة فى كفى وأغلقت عليها أصابعى فى موقف غير متوقع ومربك للغاية .

احتفظت بيدى إلى جانبى لدقائق لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ثم رفعتها، وفتحت الوريقة، كانت تذكرة ركوب الحافلة، قرأت ما سطرته تلك اليد عليها فوجدت جملة واحدة فقط " لا تفشى أسرار وحدتك العسكرية ". أغلقت الوريقة ووضعتها فى جيبى ، وأدرت دفة الحديث إلى وجهة أخرى تماماً .

منذ ذلك اليوم أدركت أن الكلام فى أى أمر يخص القوات المسلحة هــو خط أحمر، وأن ليس كل ما يعرف يقال ، وأن هذا الكلام على تفاهته يمس الأمن القومى، ولـــه ما له من دلالات عند العدو. أقول هذا الكلام بمناسبة ما أذيع مؤخراً على لسان المتحدث الرسمى للقوات المسلحة من اكتشاف أقمشة ــ بغض النظر عن الكمية ــ من التى تستخدم فى الملابس العسكرية للقوات المسلحة وقوات الشرطة فى أحد الأنفاق ما بين الحدود المصرية وحدود غزة .

الأمر الذى اضطر معه السيد قائد الجيش الثالث الميدانى إلى إعلان تغيير الأقمشة المستخدمة فى إعداد زى القوات المسلحة. والواقع أن هذا الأمر لا يجد صداه الذى يليق به فى نفس وعقل ووجدان معظم أبناء الشعب المصرى . فهو أمر جد خطير يتعين التعامل معه على قدر فداحتـــه من جانب أبناء الشعب المصرى . فلك أن تتخيل أن هناك عددًا غير معلوم من الأفراد ينتشر فى جوف المجتمع انتشار الخلايا السرطانية فى جسد منهك وهو يرتدى الملابس العسكرية عــلى اختلاف الدرجات والرتب، وهى تمثل جريمة انتحال شخصية فى الظروف الطبيعية .

أما فـــى الظروف الاستثنائية التى تعيش فيها البلاد فى ظل الحالة الثورية التى لم تستقر بعد فهى ليست جريمة عادية ، لأنها لن تكون لارتكاب جريمة النصب العادية ، وإنما لأنها قد تؤدى إلى كوارث تهدد سلامة المجتمع وأمنه ، وسلامة القوات المسلحة وأمنها ، وسلامة جهاز الشرطة وأمنــه، وعلاقة هذه الأطراف ببعضها فى ظل وجود عناصر مندسة قد تفجر الوضع برمته ، وفى ظل وجود كميات هائلة من الأسلحة أعلن عن إدخالها إلى البلاد فى ظل الانفلات الأمنى الحادث فى أعقاب الثورة .

بخلاف وجود جماعات إسلامية متطرفة على أطراف البلاد وفى عمقها تطلــــق بين الحين والآخر دعوات متطرفة للجهاد فى الداخل ضد العلمانية والليبرالية . ولا يمكن بحــال استبعاد اختراق هذه الجماعات من أجهزة مخابرات دولية شتى تستخدم احترافيتها فى التلاعب بدفة توجهات هذه الجماعات على نحو أو آخر. خاصة لو عرفنا أن الجهاد فى افغانستان ضــــد الروس كان تحت اشراف أجهزة مخابرات دولية . ولذا ـ فإننى أرى أن تكـــون هـنـاك حـمــلات توعية مستمرة من جانب القوات المسلحة بكيفية التعامل مع مثل هذه المواقف .

الجريدة الرسمية