رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين دولة السيسى ودولة الجماعة 11


لم تعرف مصر ثورات فى تاريخها الحديث. فقد كانت 1919 انتفاضة حيث لم يحكم القائمون عليها إلا جُزئياً، وما حدث فى 1952 كان انقلاباً عسكرياً، أكد بيانه الأول أنه "حركة الجيش". واليوم نعرف أن فتح السجون وحرق الأقسام وإتلاف الكثير من تجهيزات الشرطة والمُنشآت العامة فى يناير وفبراير 2011، لم يكن وليد الصدفة، وإنما كل شىء كان مُسبق التخطيط. فلم يكن الأمر ثورة مُفجرة من قبل شعب، ولكن أُظهر الأمر وكأنه كذلك، من أجل منح الحدث الشرعية، وإضفاء لقب "ثورة" عليه، لمن يريد استغلاله، فأصبح المُصطلح متداولًا.


وبمعرفتنا بأن هذا الحدث لم يكن مُصادفة، يجب وأن نرى ما قبله من أحداث مُرتبة أيضاً، سواءً من الخارج أو الداخل. فلا يُمكن بأى حال من الأحوال اليوم أن ننظر إلى "تفجير كنيسة القديسين"، على أنه كان حدثاً مُنعزلاً، ليس له علاقة بما حل ودُعى "بثورة 25 يناير"، وإنما هو حادث ذو علاقة وثيقة، ربما يكون للإلهاء عما كان قادماً فى الطريق.

ولقد تم تأهيل الساحة لذلك، منذ أن طالب بوش الابن، مصر ممثلة فى الرئيس مبارك، بفتح الطريق نحو الديمقراطية، بينما يعرف تمام المعرفة، أن الديمقراطية ليست بالغرس الممكن فى مصر أو المنطقة. فالديمقراطية مُرتبطة بتاريخ نشوئها وليس بتاريخ المنطقة العربية. ولو أننا نريد بناء الديمقراطية فى مصر، لاستلزم الأمر أن يكون لدينا نفس تاريخ أوروبا، حتى يستقيم الغرس.

وقد قام الرئيس مبارك، بإعلان مبادرة شبين الكوم يوم 27 فبراير، والتى قال فيها بموافقته على تعديل المادتين 76 و77 من دستور عام 1971. ومنذ ذاك الوقت وهناك فى مصر عملية انفتاح ديمقراطى كبيرة، فى الإعلام وحرية التعبير العام والوقفات الاحتجاجية. وقد حضرت بعض تلك الوقفات، وشاهدت أن الأمن كان لا يتعرض لأحد، إلا فى حال تعرض المتظاهرين له.

وكان أن تلقت جماعة الإخوان فى شتاء 2005، ووفقا لثروت الخرباوي، خطابًا سريًا من وزارة الخارجية الأمريكية، تطلب منهم بعض التغييرات لكى تُيسر طريق صعودهم إلى الحكم. بالطبع ظهر أن تلك التغييرات كانت تعنى ما قاموا به وقتها من محاولة إنشاء حزب وخروج مهدى عاكف كأول مُرشد سابق على قيد الحياة، ليحل محله محمد بديع، بالإضافة إلى تغييرات فى مكتب الإرشاد.

لقد أهل مبارك ونظامه بالانفتاح الديمقراطى الذى قاموا به فى 2005، للإخوان حرية الحركة. والغريب أن الانفتاح الديمقراطى الذى قام به السادات فى السبعينات ومنح الإخوان حرية الحركة، هو الذى أدى إلى اغتياله. ومن الأغرب أن الانفتاح "الديمقراطي" الذى أدت إليه ما يدعونه "ثورة 25 يناير"، هو ما أدى إلى الخراب الذى نحياه اليوم!!

وكأن الانفتاح الديمقراطى كله فى مصر، سواء فى عصر السادات أو مبارك أو اليوم، هو ما يؤدى إلى الكوارث الكُبرى، التى تُمكن الإخوان والجماعات الإرهابية من السيطرة على مُجريات الأمور. وكأن الديمقراطية فى بلادنا، مع الجهل المُتفشى بين البُسطاء والمتعلمين المصريين ببلادهم، تؤدى إلى ازدهار الحركات المُتاجرة بالدين!!

فمصر لها طبيعة حكم كما هو حال سائر الأمم، إن غيرت فى جيناتها، تحولت البلاد إلى الفوضى والانحطاط، حتى مع وجود القانون، وهو المناخ المُلائم للجماعات المتطرفة!! وبالتأكيد تحتاج مصر إلى تغيُرات فى هيكلية المؤسسة الحاكمة وتطوير العلاقة بين الحاكم والمحكوم مع بقاء وصاية الجيش وحفظه لمدنية الدولة، ولكن ليس بثورات مُصطنعة ومستوردة وممولة بدعم من الخارج وبخاينة عُظمى لشعب مصر ومصر ذاتها!!
وللحديث بقية ..
والله أكبر والعزة لبلادي،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية

الجريدة الرسمية