«ميركل» تتصدر شخصيات عام الأزمات في الاتحاد الأوربي
برزت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل كزعيمة أوربية في 2015، وهو العام الذي شهد أكبر الأزمات في تاريخ الاتحاد الأوربي، بدءا بأزمة الديون اليونانية ومرورا بالأزمة الأوكرانية ووصولا إلى أزمة اللاجئين التاريخية.
وسط عام من الأزمات الأوربية بدأ من حرب أوكرانيا إلى أزمة ديون اليونان ثم تدفق اللاجئين التاريخي، برزت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل زعيمة أوربية بلا منازع للقارة، مثيرة في آن واحد أكبر قدر من الإشادة والانتقاد حتى اليوم.
فسواء في إدارتها لدبلوماسية الاتحاد الأوربي مع موسكو أو مساومة أثينا على شروط إنقاذ مالي شاقة أو التعامل مع أضخم موجة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية، احتلت "ميركل" الصدارة مرة بعد أخرى.
ووسط فترة اضطرابات وانقسامات متنامية في أوربا طالبت متخصصة الكيمياء، البراجماتية، التي يلقبها الألمان تحببا بـ"موتِي" (أي "ماما") بالتقويم المالي ونادت بالمبادئ الإنسانية، وغالبا ما أثارت ردود فعل متفاوتة.
"المبادرة الجريئة"
بشكل خاص أدت المبادرة الجريئة وغير المعهودة التي اتخذتها قائدة أقوى اقتصاد أوربي بفتح أبواب ألمانيا أمام اللاجئين السوريين، إلى إضعاف شعبيتها التي لطالما كانت تسجل مستويات قياسية في استطلاعات الرأي في بلدها، وإلى عزلها وسط نظرائها في ملفات رئيسية في الاتحاد الأوربي.
في مؤتمر لحزبها المحافظ في الشهر الجاري قالت المستشارة البالغة 61 عاما: "إن 2015 كان عاما غير معقول، عام يصعب استيعابه في الحقيقة".
وأضافت: "لم أشهد من قبل تواليا بهذه السرعة لأحداث شديدة الأهمية".. ويتخذ هذا التصريح أهمية كبرى كونه صادرا عن ابنة القس البروتستانتي التي نشأت خلف الستار الحديدي الشيوعي وشهدت سقوط جدار برلين قبل ربع قرن.
وغالبا ما أثار تصاعد النفوذ الألماني في عهد "ميركل" المستمر منذ عقد، توتر الجيران الأوربيين، فعندما طلبت المستشارة بحزم لا يقبل الجدل من أعضاء منطقة اليورو الغارقين في الديون، حصر النفقات العامة، صورت في رسوم كاريكاتيرية في شخصية متسلطة ترتدي الزي النازي وتنشر حولها المحاسبين بدلا عن الدبابات.
انتقادات النظراء الأوربيين
وصرح رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رنزي، بنبرة أكثر دبلوماسية، أنه بالرغم من تقديره لـ"ميركل" إلا أنه "على أوربا أن تخدم 28 بلدا، وليس واحدا فقط".
وواجهت "ميركل" أشدَّ الانتقادات بعد قرارها في سبتمبر، فتح أبواب بلادها أمام موجة قياسية من اللاجئين الذين توافدوا من بودابست، أغلبهم مشيا عبر البلاد، وكررت "ميركل" شعارها "سنحقق ذلك"، في مسعى لتشجيع بلاد تحاول استقبال مليون مهاجر وفدوا هذا العام.
ولقب لاجئون المستشارة بـ"ماما ميركل" وتوافدوا لالتقاط الصور برفقتها، فيما وضعتها مجلة "شبيجل" على الغلاف بصورة الأم تيريزا.
ملكة أوربا
وفي إجماع نادر اختارت هيئات إعلامية من بينها وكالة فرانس برس ومجلة تايم وصحيفة فاينانشال تايمز، ميركل "ملكة أوربا" منذ فترة طويلة، لتكون الشخصية الأكثر نفوذا لعام 2015.
وأشار الكاتب في نيويورك تايمز روجر كوهين، إلى أنها "أصبحت شخصية أوربية مرموقة، توازي مؤكدا عمالقة ألمانيا ما بعد الحرب على غرار كونراد اديناور وهلموت شميت وهلموت كول، بل ربما تتجاوزهم".
فحتى وزير المالية اليساري اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس الذي لطالما شكل عدوا لبرلين صرح لأسبوعية شتيرن "ربما، لو كنت ألمانيا، لصوت لميركل".
في المقابل بدأت الشكوك تساور الكثير من الألمان الذين يخشون أن تكون "ميركل" التي ائتمنوها على استقرار بلادهم، تغرقها في الواقع في الفوضى.
وتشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع الخوف إزاء تدفق أغلبية مسلمة من اللاجئين، فيما ازدادت شعبية حزب شعبوي يميني وسط تزايد لجرائم الكراهية والعنصرية.
وصرح اوسكار نيدرماير من جامعة برلين الحرة: "ألمانيا منقسمة على نفسها بلا أي شك".. وأوضح "بشكل عام ما زالت "ميركل" وحصيلة عملها موضع تقدير كبير، لكن الأكثرية ترى على مستوى أزمة المهاجرين أنها تبنت سياسة خاطئة".
التضامن الأوربي هدف "ميركل"
تستند خطة "ميركل" إلى تجنب وصول مليون مهاجر آخر العام المقبل، إلى إقناع دول أخرى في الاتحاد باستضافة مزيد من اللاجئين، لكن الردود حتى الآن تراوحت بين الصمت المطبق وصيحات الاستهجان.
ورفض رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان "الامبريالية الأخلاقية" الألمانية، وأغلق حدوده بأسلاك شائكة حادة، فيما أكد نظيره التشيكي بوهوسلاف سوبوتكا أن "ميركل" "شجعت الهجرة غير المشروعة" إلى أوربا حتى رئيس مجلس أوربا دونالد توسك اعتبر سياسة "ميركل" للاجئين "خطيرة".
وفي مؤتمر حزبها وصفت المستشارة الألمانية تدفق اللاجئين بأنه بمثابة "موعد مع العولمة" معتبرة أنه يتطلب عملا "جبارا" وسيغير البلاد إلى الأبد، وأضافت وسط التصفيق "أنه تحد تاريخي لأوربا واعتبرت أننا نريد أوربا أن تنجح فيه".. وأضافت: "أنا واثقة أنها ستفعل".
واعتبر نيدرماير أن "ميركل" تمكنت في أفضل خطاب لها حتى الآن من "كسب أشهر إضافية، لا أكثر" فيما ينفد صبر الناخبين وقاعدتها الحزبية تدريجيا، لذلك "سيكون العام 2016 الامتحان الحاسم الفعلي لها".
ح.ع.ح/ م.س(أ.ف.ب)
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل