ليست قضية خالد يوسف!
الأمر المؤكد أن الجريمة التي مازالت آثارها المدوية تهز المجتمع المصري، لا تتعلق بمجرد العدوان على مخرج مبدع ورمز وطني للتشهير به واغتياله معنويا، رغم إدانتنا للجريمة حتى لو كان ضحيتها مواطنا لا يحظى بالحضور الإعلامي.
وهي أكبر من أن تكون خطيئة إعلامي، بنى حضوره الإعلامي على التشهير بالخصوم السياسيين.. ولم تتوقف خطاياه منذ ظهوره على شاشة الفضائية التي يملكها أحد رجال الأعمال، عند محاكمة ضمائر الشرفاء والسعي إلى إقصاء الخصوم من الذين حرروا مصر من النظام الفاسد في ٢٥ يناير ٢٠١١، ويسعى لتكريم رموز النظام الذي أطيح به بخروج ملايين المصريين إلى الشارع في ثورة شهد لها العالم كله؛ للمطالبة بخلع الرجل الذي حكم مصر ٣٠ عاما، وأشاع بها الفساد وعمل على توريثها لولده.
هؤلاء الإعلاميون مجرد أدوات صغيرة، يحركها من يملكون القنوات الفضائية أو الأجهزة الأمنية.
والقضية أكبر من أن تكون كاشفة للدور المدمر الذي يقوم به بعض رجال الأعمال، الذين لم يكتفوا بتكوين ثرواتهم الحرام على حساب الشعب المصري، وإنما قاموا بغزو المجال الإعلامي وأقاموا قنوات فضائية تدافع عن مصالحهم غير المشروعة، وتؤثر في قرارات الدولة، خاصة ما يتعلق منها بالتوجهات الاجتماعية وإنصاف الفقراء الذين يشكلون النسبة الأكبر من المصريين، وتتزايد معاناتهم بقدر تضاعف ثروات أصحاب الملايين، ويستخدم أصحاب تلك الفضائيات قنواتهم في الاغتيال المعنوي للأصوات، التي تكشف انحرافاتهم وتنحاز إلى مطالب البسطاء من سكان العشوائيات.
والقضية التي أزعجت ملايين المصريين.. أكبر من تجسيد أخطاء أجهزة أمنية مازالت تعمل بالأسلوب القديم، واعتبار كل معارض للنظام خائنا للوطن.. ينبغي اقتحام حياته الشخصية وتجريسه.. بل تخوينه؛ ليكون عبرة لكل معارض شريف.. يرى أن المعارضة الوطنية جزء من النظام.. مكمل له.. وضامن لسلامة مسيرته.
ومع الأسف أن تلك الأجهزة الأمنية وهي تمارس سلوكها المشين، تعتقد أنها تدافع عن النظام.. بينما يدفعونه إلى مواجهة تتسع كل يوم مع ملايين المصريين، الذين قاموا بثورتين لتحقيق حلم الديمقراطية، والتحرر من سطوة القبضة الأمنية التي كانت تتحكم في مصائر المصريين.
لا تريد تلك الأجهزة التي كانت توجه الإعلام والإعلاميين في عهد مبارك، أن تتخلى عن أدوارها القديمة وتتوقف عن التدخل في المجال الإعلامي، وتجند في صفوفها ضعاف النفوس من الإعلاميين الذين باعوا ضمائرهم لمن يشتري، ويمدوهم بفيديوهات تقتحم الحياة الشخصية للمواطنين، وتسجل ما يجرى في غرف النوم.
ولا تجسد القضية التي صدمت الرأي العام، الغياب الكامل للقوانين التي تنظم العمل بالمجال الإعلامي.. وتحدد المسئوليات.. وتضع القوانين والعقوبات التي تطبق على القنوات المتجاوزة.. وتحاسب الإعلاميين على تجاوزاتهم.. وفي ظل هذا الغياب «يغني كل على ليلاه» دون خوف أو وجل.. فيقتحم الحياة الخاصة للمواطنين.. ويخون كل معارض بدعوى الدفاع عن النظام.. بل الرئيس.. الذي لا يترك فرصة دون عتاب الإعلاميين، والإعلان عن أنه ليس لديه أحد مقرب من الإعلاميين.. بل الجميع لديه سواء.. ويعلن الرئيس أنه يتأذى من الحالة الإعلامية في مصر التي ليس لها مثيل في العالم.
القضية التي تشغل الرأي العام.. تتعلق بكل تلك المعطيات التي أبعدت الفضائيات عن الأداء المهني.. واستباحتها للحياة الشخصية للمواطنين.. ما يفرض تصحيح الأوضاع.